التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرّٞ دَعَوۡاْ رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنۡهُ رَحۡمَةً إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (33)

قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ( 33 ) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ( 34 ) أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ( 35 ) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ( 36 ) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .

ذلك تعجيب من حال المشركين أولي الهلع والجزع ، الذين يلوذون بالأصنام والآلهة المزيفة المصطنعة فيذعنون لها بالولاء والخضوع والمودة حتى إذا أصابهم البأس أو الشدة من قحط أو مرض أو خوف أو نحو ذلك من وجوه البلاء والكرب ، أنابوا إلى الله خاشعين متضرعين أن يكشف عنهم ما نزل بهم من الضُّر . تلك هي صفة المشركين المكذبين ، أو المرتابين أولي الخور الذين يعبدون الله على حرف ؛ فإنهم لا يتعرَّفون على الله إلا في الشدة وحين اشتداد البأس . لكنهم إذا أضلهم الرخاء والنعيم والسعة نسوا الله وأعرضوا عن دينه وجنحوا للأهواء والشهوات ومالوا إلى الدنيا بملذاتها وحطامها الدارس الداثر ؛ وهو قوله : { وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } إذا أصاب هؤلاء المشركين الضُّر أو الشدة ، كالقحوط أو الجدوب جأروا إلى الله بالدعاء { مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } مطيعين له ، مقبلين عليه بقلوبهم ، تائبين راجعين من شركهم إلى إفراده بالعبادة والتوحيد وهم يستغيثونه ويتضرعون إليه ليكشف عنهم الضر النازل بهم { ثُُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً } أي إذا كشف الله عنهم هذا البلاء وأزال عنهم ما أصابهم من الكرب فأبدلهم به رخاء ونعمة وسعة { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } { إذا } الفجائية ؛ أي إذا كشف الله عنهم الضر بادر الذين دعوا الله ، إلى الإشراك به وإلى اتخاذ الأنداد معه والشركاء .