تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرّٞ دَعَوۡاْ رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنۡهُ رَحۡمَةً إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (33)

الآية 33 وقوله تعالى : { وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه } قال قائلون : { منيبين } مخلصين كقوله : { دعوا الله مخلصين له الدين } [ يونس : 22 ] . وقال قائلون : مطيعين ، وقال قائلون : موحدين .

وأصل الإنابة الرجوع ، أي راجعين إليه عما كانوا فيه من الشرك .

فالإنابة هي التوحيد ، وإن كانت الإنابة الإخلاص فهو رجوع عن الإشراك في العبادة ، وإن كانت [ الرجوع ]( {[16031]} ) عن العصيان فهو الطاعة . وأصلها( {[16032]} ) الرجوع عما كانوا فيه . ففيه وجوه من الاحتجاج على أولئك وتنبيه وعظة للمؤمنين :

أحدها( {[16033]} ) : الاحتجاج عليهم : أنه معلوم أنهم( {[16034]} ) كانوا لا يركبون السفن والبحار مع المؤمنين ، ولكن كانوا يركبون بأنفسهم . ثم أخبر عما أخلصوا له الدعاء والتضرع . دل أنه بالله عرف ذلك . فذلك يدل على رسالته .

والثاني : فيه دلالة أنهم قد عرفوا وحدانية الله وألوهيته حين( {[16035]} ) فزعوا عند الشدائد والبلايا إلى الله أخلصوا له الدين . ثبت أنهم قد عرفوا سفه أنفسهم في عبادتهم الأصنام وتركهم عبادة الله تعالى .

والثالث : تصديق( {[16036]} ) لقوله : { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } [ الأنعام : 28 ] لأنهم كانوا يسألون الرد إلى الدنيا ليؤمنوا به كقولهم : { يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا } [ الأنعام : 27 ] فأخبر أنهم يعودون إلى ما كانوا [ عليه ]( {[16037]} ) كما عادوا لما( {[16038]} ) كشف عنهم الضر .

وأما العظة والتنبيه للمؤمنين فهو أن يكونوا( {[16039]} ) في الأحوال كلها على حد واحد في حال الرخاء والشدة ذاكرين ، لأنهم في حال الشدة والبلايا أكثر ذكرا له وإنابة من حال السعة والرخاء ، فينبههم ليكونوا في كل حال ذاكرين له منيبين إليه .

وفيه دلالة شدة سفه أولئك الكفرة حين( {[16040]} ) أنابوا إليه ، وأخلصوا له الدين عندما أصابتهم( {[16041]} ) الشدة والبلاء ، وأعرضوا عنه( {[16042]} ) ، وأشركوا( {[16043]} ) في ألوهيته عند السعة .

وفي طباع الخلق في الشاهد خلاف ذلك : أن من ضيق على آخر أمره ، وشدده فهو يعرض عنه ، ويبغضه ، ومن أنعم عليه من ملوك الأرض ، وأحسن ، أطاعه ، وأحبه لشدة سفههم عكسوا( {[16044]} ) طباعهم ، وخالفوا طباع الناس جميعا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ثم إذا أذاقهم منه رحمة } أي السعة والرخاء { إذا فريق منهم بربهم يشركون } فإن قيل : ما فائدة ذكر هذه الآيات وأمثالها ، وهم كانوا لا يؤمنون بها ، ولا ينظرون فيها ؟

قيل : قد يحتج عليهم بما لا يقرون ، ولا ينظرون [ فيه ، أو ينظر ]( {[16045]} ) في ذلك ، فريق ، ويعرفونه ، والله أعلم .


[16031]:ساقطة من الأصل وم.
[16032]:في الأصل وم: وأصله.
[16033]:في الأصل وم: إما.
[16034]:في الأصل وم: لأنهم.
[16035]:في الأصل وم: حيث.
[16036]:في الأصل وم: تصديقا.
[16037]:ساقطة من الأصل وم.
[16038]:في الأصل وم: إذا.
[16039]:في الأصل وم: يكون.
[16040]:في الأصل وم: حيث.
[16041]:في الأصل وم: يصيبهم.
[16042]:في الأصل وم: يعرضون.
[16043]:في الأصل وم: ويشركون.
[16044]:في الأصل وم: عكس.
[16045]:في الأصل: فيهما وأن ينظرون، في م: فيه أو أن ينظرون.