الآية 33 وقوله تعالى : { وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه } قال قائلون : { منيبين } مخلصين كقوله : { دعوا الله مخلصين له الدين } [ يونس : 22 ] . وقال قائلون : مطيعين ، وقال قائلون : موحدين .
وأصل الإنابة الرجوع ، أي راجعين إليه عما كانوا فيه من الشرك .
فالإنابة هي التوحيد ، وإن كانت الإنابة الإخلاص فهو رجوع عن الإشراك في العبادة ، وإن كانت [ الرجوع ]( {[16031]} ) عن العصيان فهو الطاعة . وأصلها( {[16032]} ) الرجوع عما كانوا فيه . ففيه وجوه من الاحتجاج على أولئك وتنبيه وعظة للمؤمنين :
أحدها( {[16033]} ) : الاحتجاج عليهم : أنه معلوم أنهم( {[16034]} ) كانوا لا يركبون السفن والبحار مع المؤمنين ، ولكن كانوا يركبون بأنفسهم . ثم أخبر عما أخلصوا له الدعاء والتضرع . دل أنه بالله عرف ذلك . فذلك يدل على رسالته .
والثاني : فيه دلالة أنهم قد عرفوا وحدانية الله وألوهيته حين( {[16035]} ) فزعوا عند الشدائد والبلايا إلى الله أخلصوا له الدين . ثبت أنهم قد عرفوا سفه أنفسهم في عبادتهم الأصنام وتركهم عبادة الله تعالى .
والثالث : تصديق( {[16036]} ) لقوله : { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } [ الأنعام : 28 ] لأنهم كانوا يسألون الرد إلى الدنيا ليؤمنوا به كقولهم : { يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا } [ الأنعام : 27 ] فأخبر أنهم يعودون إلى ما كانوا [ عليه ]( {[16037]} ) كما عادوا لما( {[16038]} ) كشف عنهم الضر .
وأما العظة والتنبيه للمؤمنين فهو أن يكونوا( {[16039]} ) في الأحوال كلها على حد واحد في حال الرخاء والشدة ذاكرين ، لأنهم في حال الشدة والبلايا أكثر ذكرا له وإنابة من حال السعة والرخاء ، فينبههم ليكونوا في كل حال ذاكرين له منيبين إليه .
وفيه دلالة شدة سفه أولئك الكفرة حين( {[16040]} ) أنابوا إليه ، وأخلصوا له الدين عندما أصابتهم( {[16041]} ) الشدة والبلاء ، وأعرضوا عنه( {[16042]} ) ، وأشركوا( {[16043]} ) في ألوهيته عند السعة .
وفي طباع الخلق في الشاهد خلاف ذلك : أن من ضيق على آخر أمره ، وشدده فهو يعرض عنه ، ويبغضه ، ومن أنعم عليه من ملوك الأرض ، وأحسن ، أطاعه ، وأحبه لشدة سفههم عكسوا( {[16044]} ) طباعهم ، وخالفوا طباع الناس جميعا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ثم إذا أذاقهم منه رحمة } أي السعة والرخاء { إذا فريق منهم بربهم يشركون } فإن قيل : ما فائدة ذكر هذه الآيات وأمثالها ، وهم كانوا لا يؤمنون بها ، ولا ينظرون فيها ؟
قيل : قد يحتج عليهم بما لا يقرون ، ولا ينظرون [ فيه ، أو ينظر ]( {[16045]} ) في ذلك ، فريق ، ويعرفونه ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.