السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرّٞ دَعَوۡاْ رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنۡهُ رَحۡمَةً إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (33)

ولما بين تعالى التوحيد بالدليل وبالمثل بين أنّ لهم حالة يعترفون بها وإن كانوا ينكرونها في وقت وهي حالة الشدّة بقوله تعالى :

ولما بين تعالى التوحيد بالدليل وبالمثل بين أنّ لهم حالة يعترفون بها وإن كانوا ينكرونها في وقت وهي حالة الشدّة بقوله تعالى : { وإذا مس الناس ضرّ } أي : قحط وشدّة { دعوا ربهم } أي : الذي لم يشركه في الإحسان إليهم أحد { منيبين } أي : راجعين من جميع ضلالاتهم { إليه } أي : دون غيره علماً منهم بأنه لا فرج لهم عند شيء غيره ، قال الرازي : في اللوامع في أواخر العنكبوت : وهذا دليل على أنّ معرفة الرب في فطرة كل إنسان وأنهم إن غفلوا في السرّاء فلا شك أنهم يلوذون إليه في حال الضرّاء { ثم إذا أذاقهم منه رحمة } أي : خلاصاً من ذلك الضرّ { إذا فريق منهم بربهم } أي : المحسن إليهم دائماً المجدّد لهم هذا الإحسان من هذا الضر { يشركون } أي : فاجأ فريق منهم الإشراك بربهم الذي عافاهم ، فإذا الفجائية وقعت جواب الشرط ؛ لأنها كالفاء في أنها للتعقيب ، ولا تقع أوّل كلام ، وقد تجامعها الفاء زائدة ، فإن قيل : ما الحكمة في قوله ههنا إذا فريق منهم وقال في العنكبوت { فلما نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون } ( العنكبوت : 65 ) ولم يقل فريق ؟ أجيب : بأنّ المذكور هناك غير معين وهو ما يكون من هول البحر ، والمتخلص منه بالنسبة إلى الخلق قليل ، والذي لا يشرك منهم بعد الخلاص فرقة منهم فهم في غاية القلة ، فلم يجعل المشركين فريقاً لقلة مَنْ خرج من الشرك ، وأمّا المذكور ههنا الضرّ مطلقاً فيتناول ضرّ البحر والأمراض والأهوال ، والمتخلص من أنواع الضرّ خلق كثير بل جميع الناس قد يكونون قد وقعوا في ضرّ ما فتخلصوا منه ، والذي لا يبقى بعد الخلاص مشركاً من جميع الأنواع إذا جمع فهم خلق عظيم وهو جميع المسلمين ، فإنهم تخلصوا من ضرّ ولم يبقوا مشركين ، وأمّا المسلمون فلم يتخلصوا من ضرّ البحر بأجمعهم ، فلما كان الناجي من الضرّ المؤمن جمعاً كثيراً سُمّي الباقي فريقاً .