تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ} (28)

ثم ذكر تعالى علامة المؤمنين فقال : { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ } أي : يزول قلقها واضطرابها ، وتحضرها أفراحها ولذاتها .

{ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } أي : حقيق بها وحريٌّ أن لا تطمئن لشيء سوى ذكره ، فإنه لا شيء ألذ للقلوب ولا أشهى ولا أحلى من محبة خالقها ، والأنس به ومعرفته ، وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له ، يكون ذكرها له ، هذا على القول بأن ذكر الله ، ذكر العبد لربه ، من تسبيح وتهليل وتكبير وغير ذلك .

وقيل : إن المراد بذكر الله كتابه الذي أنزله ذكرى للمؤمنين ، فعلى هذا معنى طمأنينة القلوب بذكر الله : أنها حين تعرف معاني القرآن وأحكامه تطمئن لها ، فإنها تدل على الحق المبين المؤيد بالأدلة والبراهين ، وبذلك تطمئن القلوب ، فإنها لا تطمئن القلوب إلا باليقين والعلم ، وذلك في كتاب الله ، مضمون على أتم الوجوه وأكملها ، وأما ما سواه من الكتب التي لا ترجع إليه فلا تطمئن بها ، بل لا تزال قلقة من تعارض الأدلة وتضاد الأحكام .

{ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } وهذا إنما يعرفه من خبر كتاب الله وتدبره ، وتدبر غيره من أنواع العلوم ، فإنه يجد بينها وبينه فرقا عظيما .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ} (28)

{ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ } أي : تطيب وتركن إلى جانب{[15594]} الله ، وتسكن عند ذكره ، وترضى به مولى ونصيرًا ؛ ولهذا قال : { أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } أي : هو حقيق بذلك .


[15594]:- في ت ، أ : "جناب".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ} (28)

استئناف اعتراضي مناسبتهُ المُضادةُ لحال الذين أضلهم الله ، والبيانُ لحال الذين هداهم مع التنبيه على أن مثال الذين ضلوا هو عدم اطمئنان قلوبهم لذكر الله ، وهو القرآن ، لأن قولهم : { لولا أنزل عليه آية من ربه } يتضمن أنهم لم يعدوا القرآن آية من الله ، ثم التصريح بجنس عاقبة هؤلاء ، والتعريض بضد ذلك لأولئك ، فذكرها عقب الجملة السابقة يفيد الغرضين ويشير إلى السببين . ولذلك لم يجعل { الذين آمنوا } بدلاً من { من أناب } [ الرعد : 27 ] لأنه لو كان كذلك لم تعطف على الصلة جملة { وتطمئن قلوبهم } ولا عطف { وعملوا الصالحات } على الصلة الثانية . ف { الذين آمنوا } الأول مبتدأ ، وجملة { ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب } معترضة و { الذين آمنوا } الثاني بدل مطابق من { الذين آمنوا } الأول ، وجملة { طوبى لهم } خبر المبدأ .

والاطمئنان : السكون ، واستعير هنا لليقين وعدم الشك ، لأن الشك يستعار له الاضطراب . وتقدم عند قوله تعالى : { ولكن ليطمئن قلبي } في سورة البقرة ( 260 ) .

و { ذكر الله } يجوز أن يراد به خشية الله ومراقبته بالوقوف عند أمره ونهيه . ويجوز أن يراد به القرآن قال : { وإنه لذكر لك ولقومك } [ سورة الزخرف : 44 ] ، وهو المناسب قولهم : { لولا أنزل عليه آية من ربه } . وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى في سورة الزمر : { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله } [ سورة الزمر : 22 ] ، أي للذين كان قد زادهم قسوة قلوب ، وقوله في آخرها : { ثم تلين جُلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } [ سورة الزمر : 23 ] .

والذكر من أسماء القرآن ، ويجوز أن يراد ذكر الله باللسان فإن إجراءه على اللسان ينبه القلوب إلى مراقبته .

وهذا وصف لحسن حال المؤمنين ومقايستهِ بسوء حالة الكافرين الذين غمر الشك قلوبهم ، قال تعالى : { بل قلوبهم في غمرة من هذا } [ سورة المؤمنون : 63 ] .

واختير المضارع في { تطمئن } مرتين لدلالته على تجدد الاطمئنان واستمراره وأنه لا يتخلله شك ولا تردد .

وافتتحت جملة { إلا بذكر الله } بحرف التنبيه اهتماماً بمضمونها وإغراء بوعيه . وهي بمنزلة التذييل لما في تعريف { القلوب } من التعميم . وفيه إثارة الباقين على الكفر على أن يتسموا بسمة المؤمنين من التدبير في القرآن لتطمئن قلوبهم ، كأنه يقول : إذا علمتم راحة بال المؤمنين فماذا يمنعكم بأن تكونوا مثلهم فإن تلك في متناولكم لأن ذكر الله بمسامعكم .