فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ} (28)

ومحل الذين آمنوا النصب على البدلية من قوله : { مَنْ أَنَابَ } أي : أنهم هم الذين هداهم الله وأنابوا إليه . ويجوز أن يكون { الذين آمنوا } خبر مبتدأ محذوف أي : هم الذين آمنوا ، أو منصوب على المدح { وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله } أي : تسكن وتستأنس بذكر الله سبحانه بألسنتهم ، كتلاوة القرآن ، والتسبيح ، والتحميد ، والتكبير ، والتوحيد ، أو بسماع ذلك من غيرهم ، وقد سمي سبحانه القرآن ذكراً قال : { وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أنزلناه } [ الأنبياء : 50 ] ، وقال : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر } [ الحجر : 9 ] . قال الزجاج : أي إذا ذكر الله وحده آمنوا به غير شاكين بخلاف من وصف بقوله : { وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشمأزت قُلُوبُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة } [ الزمر : 45 ] وقيل : تطمئن قلوبهم بتوحيد الله ، وقيل : المراد بالذكر هنا : الطاعة ، وقيل : بوعد الله ، وقيل : بالحلف بالله ، فإذا حلف خصمه بالله سكن قلبه ، وقيل : بذكر رحمته ، وقيل : بذكر دلائله الدالة على توحيده { أَلاَ بِذِكْرِ الله } وحده دون غيره { تَطْمَئِنُّ القلوب } والنظر في مخلوقات الله سبحانه وبدائع صنعه وإن كان يفيد طمأنينة في الجملة ، لكن ليست كهذه الطمأنينة ، وكذلك النظر في المعجزات من الأمور التي لا يطيقها البشر ، فليس إفادتها للطمأنينة كإفادة ذكر الله ، فهذا وجه ما يفيده هذا التركيب من القصر .

/خ30