اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ} (28)

قوله : { الذين آمَنُواْ } يجوز فيه خمسة أوجه :

أحدها : أن يكون مبتدأ خبره الموصول الثاني وما بينهما اعتراض .

الثاني : أنه بدل من " مَنْ أنَابَ " .

والثالث : أنه عطف بيان له .

الرابع : أنه خبر مبتدأ مضمر .

الخامس : أنه منصوب بإضمار فعل .

فصل

قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا سمعوا القرآن خشتع قلوبهم واطمأنت .

فإن قيل : أليس قال في سورة الأنفال : { إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [ الأنفال : 2 ] والوجل ضد الاطمئنان ، فكيف وصفهم هنا بالاطمئنان ؟ .

فالجواب من وجوه :

أحدها : أ ، هم إذا ذكروا العقوبات ولم يأمنوا أن [ يقربوا ] المعاصي فهناك الوجل وإذا ذكروا ما وعد الله به من الثواب والرحمة سكنت قلوبهم ، فإن أحد الأمرين لا ينافي الآخر ؛ لأن الوجل هو بذكر العقاب والطمأنينة بذكر الثواب .

وثانيها : أن المراد أن يكون القرآن معجزاً يوجب حصول الطمأنينة لهم في كون محمد صلى الله عليه وسلم نبياً حقاً من عند الله ، ولما شكوا في أنهم أتوا بالطاعات كاملة فيوجب حصول الوجل في قلوبهم .

وثالثها : أنه حصل في قلوبهم أنهم هل أتوا بالطاعات الموجبة للثواب أم لا ؟ وهل احترزوا عن المصعية الموجبة للعقاب أم لا ؟ .

وقيل : الوجل عند ذكر الله : الوعيد والعقاب ، الطمأنينة عند ذكر الله عزّ وجل : الوعد والثواب ، فالعقاب توجل إذا ذكرت عدل الله وشدة حسابه ، وتطمئن إذا ذكرت فضل الله وكرمه { أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب } تسكن قلوب المؤمنين ويستقر فيه اليقين .

قال ابن عباس رحمه الله : " هذا في الحلف ، يقول : إذا حلف المسلم بالله على شيء تسكن قولب المؤمنين إليه " .

قوله { بِذِكْرِ الله } يجوز أن يتعلق ب " تَطْمئِنُّ " فتكون الياء سببية ، أي : بسبب ذكر الله .

وقال أبو البقاء : ويجوز أن مفعولاً به ، أي : الطمأنينة تحصل لهم بذكر الله .

الثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من " قلوبهم " ، أي : تطمئن وفيها ذكر الله .