فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ} (28)

{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ( 28 ) } .

{ الَّذِينَ آمَنُواْ } منصوب على البدل من أناب ، والمعنى أنهم هم الذين هداهم الله وأنابوا إليه : أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هم الذين آمنوا

{ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ } أي تسكن عن القلق والاضطراب وتستأنس ذكره سبحانه بألسنتهم كتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتكبير والتوحيد أو بسماع ذلك من غيرهم عبر بالمضارع لأن الطمأنينة تتجدد بعد الإيمان حينا بعد حين ، قاله الشهاب . وقال الكرخي المضارع قد لا يلاحظ فيه زمان معين من حال أو استقبال فيدل إذ ذاك على الاستمرار ومنه الآية أ ه .

قال في الجمل : وهذا ينفع في مواضع كثيرة وقد سمى الله سبحانه القرآن ذكرا قال : { وهذا ذكر مبارك أنزلناه } وقال : { إنا نحن نزلنا الذكر } .

قال الزجاج : أي إذا ذكر الله وحده آمنوا به غير شاكين بخلاف من وصف بقوله : { وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة } .

وقيل الذكر هنا الطاعة وقيل بوعد الله وقيل بالحلف بالله فإذا حلف خصمه بالله سكن قلبه ، قاله السدي ، وقيل بذكر رحمته ، وقيل بذكر دلائله الدالة على توحيده ، وقال قتادة هشت إليه واستأنست به ، وقال مجاهد بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ولا مانع من حمل الآية على جميعها .

{ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ } وحده دون غيره من الأمور التي تميل إليها النفوس من الدنيويات { تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } والنظر في مخلوقات الله سبحانه وبدائع صنعه وإن كان يفيد طمأنينة في الجملة لكن ليست كهذه الطمأنينة وكذلك النظر في المعجزات من الأمور التي لا يطيقها البشر فليس إفادتها للطمأنينة كإفادة ذكر الله ، فهذا وجه ما يفيده هذا التركيب من القصر .

وأما قوله تعالى في الأنفال : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } والوجل ضد الاطمئنان فالمعنى أنهم إذا ذكروا العقوبات وجلوا وإذا ذكروا المثوبات سكنوا .

أخرج أبو الشيخ عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه حين نزلت هذه الآية : هل تدرون ما معنى ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : من أحب الله ورسوله وأحب أصحابي .

وأخرج ابن مردويه عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت هذه الآية قال ذلك من أحب الله ورسوله وأحب أهل بيته صادقا غير كاذب وأحب المؤمنين شاهدا وغائبا ألا بذكر الله يتحابون .