تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (42)

ثم قال : { وَلَا تَلْبِسُوا } أي : تخلطوا { الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ } فنهاهم عن شيئين ، عن خلط الحق بالباطل ، وكتمان الحق ، لأن المقصود من أهل الكتب والعلم ، تمييز الحق ، وإظهار الحق ، ليهتدي بذلك المهتدون ، ويرجع الضالون ، وتقوم الحجة على المعاندين ، لأن الله فصل آياته وأوضح بيناته ، ليميز الحق من الباطل ، ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين ، فمن عمل بهذا من أهل العلم ، فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم .

ومن لبس الحق بالباطل ، فلم يميز هذا من هذا ، مع علمه بذلك ، وكتم الحق الذي يعلمه ، وأمر بإظهاره ، فهو من دعاة جهنم ، لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم ، فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (42)

يقول تعالى ناهيًا لليهود عما كانوا يتعمدونه ، من تلبيس{[1644]} الحق بالباطل ، وتمويهه به{[1645]} وكتمانهم الحق وإظهارهم الباطل : { وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }{[1646]} فنهاهم عن الشيئين معًا ، وأمرهم بإظهار الحق والتصريح به ؛ ولهذا قال الضحاك ، عن ابن عباس { وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ } لا تخلطوا الحق بالباطل والصدق بالكذب .

وقال أبو العالية : { وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ } يقول : ولا تخلطوا الحق بالباطل ، وأدوا النصيحة لعباد الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

ويروى{[1647]} عن سعيد بن جبير والربيع بن أنس ، نحوه .

وقال قتادة : { وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ } [ قال ]{[1648]} ولا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام ؛ إن دين الله الإسلام ، واليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله .

وروي عن الحسن البصري نحو ذلك .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي : لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به ، وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم . وروي عن أبي العالية نحو ذلك .

وقال مجاهد ، والسدي ، وقتادة ، والربيع بن أنس : { وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ } يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم .

[ قلت : { وَتَكْتُمُوا } يحتمل أن يكون مجزومًا ، ويجوز أن يكون منصوبًا ، أي : لا تجمعوا بين هذا وهذا كما يقال : لا تأكل السمك وتشرب اللبن . قال الزمخشري : وفي مصحف ابن مسعود : " وتكتمون الحق " أي : في حال كتمانكم الحق وأنتم تعلمون حال أيضًا ، ومعناه : وأنتم تعلمون الحق ، ويجوز أن يكون المعنى : وأنتم تعلمون ما في ذلك من الضرر العظيم على الناس من إضلالهم عن الهدى المفضي بهم إلى النار إلى أن سلكوا ما تبدونه لهم من الباطل المشوب بنوع من الحق لتروّجوه عليهم ، والبيان الإيضاح وعكسه الكتمان وخلط الحق بالباطل ]{[1649]} .


[1644]:في جـ، ط، ب: "تلبيسهم".
[1645]:في جـ، ب: "تمويههم".
[1646]:في جـ: "وتكتمون" وهو خطأ.
[1647]:في جـ، ط، ب، أ، و: "وروي".
[1648]:زيادة من جـ، ط، ب.
[1649]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (42)

وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 42 )

المعنى ولا تخلطوا ، يقال «لبَسْتُ الأمر » بفتح الباء ألبسه ، إذا خلطته ومزجت بينه بمشكله وحقه بباطله . وأما قول الشاعر( {[544]} ) :

وكتيبة لبّستها بكتيبة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فالظاهر أنه من هذا المعنى ، ويحتمل أن يكون المعنى من اللباس ، واختلف أهل التأويل في المراد بقوله : { الحق بالباطل } .

فقال أبو العالية : «قالت اليهود : محمد نبي مبعوث ، لكن إلى غيرنا ، فإقرارهم ببعثه حق وجحدهم أنه بعث إليهم باطل » .

وقال الطبري : «كان من اليهود منافقون فما أظهروا من الإيمان حق ، وما أبطنوا من الكفر باطل » .

وقال مجاهد : «معناه لا تخلطوا اليهودية والنصرانية بالإسلام » .

وقال ابن زيد : المراد { بالحق } التوراة ، و «الباطل » ما بدلوا فيها من ذكر محمد عليه السلام ، و { تلبسوا } جزم بالنهي ، { وتكتموا } عطف عليه في موضع جزم( {[545]} ) ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار «أن » وإذا قدرت «أن » كانت مع { تكتموا } بتأويل المصدر ، وكانت الواو عاطفة على مصدر مقدر من { تلبسوا } ، كأن الكلام ولا يكن لبسكم الحق بالباطل وكتمانكم الحق .

وقال الكوفيون : { تكتموا } نصب بواو الصرف ، و { الحق } يعني به أمر محمد صلى الله عليه وسلم « .

وقوله تعالى : { وأنتم تعلمون } جملة في موضع الحال ولم يشهد لهم تعالى بعلم وإنما نهاهم عن كتمان ما علموا ، ويحتمل أن تكون شهادة عليهم بعلم حق مخصوص في أمر محمد عليه السلام ، ولم يشهد لهم بالعلم على الإطلاق ولا تكون الجملة على هذا في موضع الحال( {[546]} ) ، وفي هذه الألفاظ دليل على تغليظ الذنب على من واقعه على علم ، وأنه أعصى من الجاهل( {[547]} ) .

{ وأقيموا الصلاة } معناه : أظهروا هيئتها وأديموها بشروطها ، وذلك تشبيه بإقامة القاعد إلى حال ظهور ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ]

وإذا يقال أتيتمُ يبرحوا . . . حتى تقيمَ الخيلُ سوقَ طعان


[544]:- هو عنترة العبسي. بطل مشهور، وشاعر معروف، وعجز البيت: .......................... حتى إذا التبست نفضت لها يدي
[545]:- هذا أرجح الأعاريب في هذه الكلمة لأن ذلك يقتضي النهي عن كل بانفراده، وأما النصب بأن، أو بالصرف فإنه يجعل المنع منسحبا على الجمع بين الفعلين ويكون دالا بالمفهوم على جواز التلبس بأحدهما وذلك غير مراد.
[546]:- يعني أن الجملة الثبوتية تكون معطوفة على جملة النهي، ولا تكون حالا على هذا القول.
[547]:- أي الجاهل العاصي إذ لا يستوي العالم والجاهل أبدا في حياتهما.