تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةِۭ بَطِرَتۡ مَعِيشَتَهَاۖ فَتِلۡكَ مَسَٰكِنُهُمۡ لَمۡ تُسۡكَن مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ وَكُنَّا نَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثِينَ} (58)

{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } أي : فخرت بها ، وألهتها ، واشتغلت بها عن الإيمان بالرسل ، فأهلكهم اللّه ، وأزال عنهم النعمة ، وأحل بهم النقمة . { فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا } لتوالي الهلاك والتلف عليهم ، وإيحاشها من بعدهم .

{ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ } للعباد ، نميتهم ، ثم يرجع إلينا جميع ما متعناهم به من النعم ، ثم نعيدهم{[608]} إلينا ، فنجازيهم بأعمالهم .


[608]:- كذا في ب، وفي أ: ثم تفيدهم إلينا، فنجازيهم، وهو خطأ ظاهر من الناسخ.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةِۭ بَطِرَتۡ مَعِيشَتَهَاۖ فَتِلۡكَ مَسَٰكِنُهُمۡ لَمۡ تُسۡكَن مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ وَكُنَّا نَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثِينَ} (58)

يقول تعالى مُعَرّضًا بأهل مكة في قوله : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } أي : طغت وأشرَت وكفرت نعمة الله{[22381]} ، فيما أنعم به عليهم من الأرزاق ، كما قال في الآية الأخرى : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ . وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } [ النحل 112 ، 113 ] ولهذا قال : { فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا } أي : دَثَرت ديارهم فلا ترى إلا مساكنهم .

وقوله : { وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ } أي : رجعت خرابًا ليس فيها أحد .

وقد ذكر ابن أبي حاتم [ هاهنا ]{[22382]} عن ابن مسعود أنه سمع كعبًا يقول لعمر : إن سليمان عليه السلام{[22383]} قال للهامة - يعني البومة - ما لك لا تأكلين الزرع ؟ قالت : لأنه أخرج آدم بسببه من الجنة . قال : فما لك لا تشربين الماء ؟ قالت : لأن الله أغرق قوم نوح به . قال : فما لك لا تأوين إلا إلى الخراب ؟ قالت : لأنه ميراث الله عز وجل ، ثم تلا { وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ } .


[22381]:- في ف : "بنعم الله" وفي أ : "نعم الله".
[22382]:- زيادة من ف ، أ.
[22383]:- في ت : "صلى الله عليه وسلم".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةِۭ بَطِرَتۡ مَعِيشَتَهَاۖ فَتِلۡكَ مَسَٰكِنُهُمۡ لَمۡ تُسۡكَن مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ وَكُنَّا نَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثِينَ} (58)

و { بطرت } معناه سفهت وأشرت وطغت قاله ابن زيد وغيره ، و { معيشتها } نصب على التفسير{[9158]} مثل قوله { سفه نفسه }{[9159]} [ البقرة : 130 ] وقال الأخفش هو إسقاط حرف الجر أي { بطرت } في { معيشتها } ثم أحالهم على الاعتبار في خراب ديار الأمم المهلكة كحجر ثمود وغيره وباقي الآية بين .


[9158]:وقيل: هي مفعول به على تضمين [بطرت] معنى فعل متعد، أي : خسرت معيشتها، وهذا على مذهب أكثر البصريين، وقيل: هي مشبه بالمفعول على مذهب بعض الكوفيين، ويجوز أن تكون منصوبة على الظرفية، على تقدير: أيام معيشتها، كقولك: جئت خفوق النجم، وهذا على مذهب الزجاج.
[9159]:من الآية 130 من سورة البقرة.