تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ} (34)

فقالت لهم -مقنعة لهم عن رأيهم ومبينة سوء مغبة القتال- { إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا } قتلا وأسرا ونهبا لأموالها ، وتخريبا لديارها ، { وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً } أي : جعلوا الرؤساء السادة أشراف الناس من الأذلين ، أي : فهذا رأي غير سديد ، وأيضا فلست بمطيعة له قبل الاختبار وإرسال من يكشف عن أحواله ويتدبرها ، وحينئذ نكون على بصيرة من أمرنا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ} (34)

قال ابن عباس : أي إذا دخلوا بلدًا{[22036]} عنْوَة أفسدوه ، أي : خَرّبوه ، { وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً } أي : وقصدوا من فيها من الولاة والجنود ، فأهانوهم غاية الهوان ، إما بالقتل أو بالأسر .

قال ابن عباس : قالت بلقيس : { إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً } {[22037]} ، قال الرب ، عز وجل { وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } . ثم عدلت إلى المهادنة والمصالحة والمسالمة والمخادعة والمصانعة ، فقالت : { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ }


[22036]:- في أ : "بلدة".
[22037]:- في ف ، أ : "أذلة وكذلك يفعلون".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ} (34)

{ قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية } عنوة وغلبة . { أفسدوها } تزييف لما أحست منهم من الميل إلى المقاتلة بادعائهم القوى الذاتية والعرضية ، وأشعار بأنها ترى الصلح مخافة أن يتخطى سليمان خططهم فيسرع إلى إفساد ما يصادفه من أموالهم وعماراتهم ، ثم أن الحرب سجال لا تدري عاقبتها . { وجعلوا أعزة أهلها أذلة } بنهب أموالهم وتخريب ديارهم إلى غير ذلك من الإهانة والأسر { وكذلك يفعلون } تأكيد لما وصفت من حالهم وتقرير بأن ذلك من عاداتهم الثابتة المستمرة ، أو تصديق لها من الله عز وجل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ} (34)

ثم أخبرت بلقيس عند ذلك بفعل { الملوك } بالقرى التي يتغلبون عليها ، وفي الكلام خوف على قومها وحيطة لهم واستعظام لأمر سليمان عليه السلام ، وقالت فرقة إن { وكذلك يفعلون } من قول بلقيس تأكيداً منها للمعنى الذي أرادته ، وقال ابن عباس : هو من قول الله تعالى معرفاً لمحمد عليه السلام وأمته ومخبراً به .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ} (34)

{ قالت } جواب محاورة فلذلك فُصل .

أبدت لهم رأيها مفضِّلةً جانب السلم على جانب الحرب ، وحاذرة من الدخول تحت سلطة سليمان اختياراً لأن نهاية الحرب فيها احتمال أن ينتصر سليمان فتصير مملكة سبأ إليه ، وفي الدخول تحت سلطة سليمان إلقاء للمملكة في تصرفه ، وفي كلا الحالين يحصل تصرف مَلك جديد في مدينتها فعلمت بقياس شواهد التاريخ وبخبرة طبائع الملوك إذا تصرفوا في مملكة غيرهم أن يقلبوا نظامها إلى ما يساير مصالحهم واطمئنان نفوسهم من انقلاب الأمة المغلوبة عليهم في فُرص الضعف أو لوائح الاشتغال بحوادث مهمة ، فأول ما يفعلونه إقصاء الذين كانوا في الحكم لأن الخطر يتوقع من جانبهم حيث زال سلطانهم بالسلطان الجديد ، ثم يبدلون القوانين والنظم التي كانت تسير عليها الدولة ، فأما إذا أخذوها عنوة فلا يخلو الأخذ من تخريب وسبي ومغانم ، وذلك أشد فساداً . وقد اندرج الحالان في قولها { إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة } .

وافتتاح جملة : { إن الملوك } بحرف التأكيد للاهتمام بالخبر وتحقيقه ، فقولها { إذا دخلوا قرية أفسدوها } استدلال بشواهد التاريخ الماضي ولهذا تكون { إذا } ظرفاً للماضي بقرينة المقام كقوله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } [ الجمعة : 11 ] وقوله : { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا } [ التوبة : 92 ] .

وجملة : { وكذلك يفعلون } استدلال على المستقبل بحكم الماضي على طريقة الاستصحاب وهو كالنتيجة للدليل الذي في قوله : { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها } . والإشارة إلى المذكور من الإفساد وجَعْلِ الأعزة أذلة ، أي فكيف نلقي بأيدينا إلى من لا يألو إفساداً في حالنا .

فدبرت أن تتفادى من الحرب ومن الإلقاء باليد ، بطريقة المصانعة والتزلف إلى سليمان بإرسال هدية إليه ، وقد عزمت على ذلك ولم تستطلع رأي أهل مشورتها لأنهم فوضوا الرأي إليها ، ولأن سكوتهم على ما تخبرهم به يُعدّ موافقة ورضى .

وهذا الكلام مقدمة لما ستلقيه إليهم من عزمها ، ويتضمن تعليلاً لما عزمت عليه .