فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ} (34)

فلما سمعت تفويضهم الأمر إليها لم ترض بالحرب ، بل مالت للصلح ، وبينت السبب في رغبتها فيه و{ قالت : إن الملوك إذا دخلوا قرية } من القرى .

{ أفسدوها } أي : خربوا مبانيها ، وغيروا مغانيها ، وأتلفوا أموالها وفرقوا شمل أهلها . قال ابن عباس : إذا أخذوها عنوة وقهرا خربوها . وعن الزجاج مثله .

{ وجعلوا أعزة أهلها أذلة } أي أهانوا أشرافها ؛ وحطوا مراتبهم ، فصاروا عند ذلك أذلة ، وإنما يفعلون ذلك لأجل أن يتم لهم الملك ، وتستحكم لهم الوطأة ، وتقرر لهم في قلوبهم المهابة . والمقصود من قولها هذا تحذير قومها من مسير سليمان إليهم ، ودخوله بلادهم .

{ وكذلك } أي مثل ذلك الفعل { يفعلون } أرادت أن هذه عادتهم المستمرة التي لا تتغير ، لأنها كانت في بيت الملك القديم ؛ فسمعت نحو ذلك ورأت . قال ابن الأنباري : الوقف على قوله أذلة ، وقف تام ، فقال الله عز وجل تحقيقا وتصديقا لقولها : وكذلك يفعلون . وقيل : هذه الجملة من تمام كلامها ، فيكون من جملة مقول قولها أكدت به ما قبله ، وعلى الأول مستأنفة لا محل لها من الإعراب .

قال النسفي : واحتج الساعي في الأرض بالفساد بهذه الآية ومن استباح حراما فقد كفر إذا احتج له بالقرآن على وجه التحريف فقد جمع بين كفرين انتهى .