وقوله : { سَنُقْرِئُكَ } أي : يا محمد { فَلا تَنْسَى } وهذا إخبار من الله ، عز وجل ، ووعد منه له ، بأنه سيقرئه قراءة لا ينساها ، { إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ } وهذا اختيار ابن جرير .
وقال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئا إلا ما شاء الله .
وقيل : المراد بقوله : { فَلا تَنْسَى } طلب ، وجعلوا معنى الاستثناء على هذا ما يقع من النسخ ، أي : لا تنسى ما نقرئك إلا ما شاء الله رفعه ؛ فلا عليك أن تتركه .
وقوله : { إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى } أي : يعلم ما يجهر به العباد وما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم ، لا يخفى عليه من ذلك شيء .
وقوله تعالى : { سنقرئك فلا تنسى } ، قال الحسن وقتادة ومالك ابن أنس : هذه الآية في معنى قوله تعالى : { لا تحرك به لسانك } [ القيامة : 16 ] الآية{[11749]} ، وعد الله أن يقرئه وأخبره أنه لا ينسى نسياناً لا يكون بعده ذكر ، فتذهب الآية ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرك شفتيه مبادرة خوفاً منه أن ينسى ، وفي هذا التأويل آية النبي صلى الله عليه وسلم في أنه أمي ، وحفظ الله تعالى عليه الوحي ، وأمنه من نسيانه ، وقال آخرون : ليست هذه الآية في معنى تلك ، وإنما هذه وعد بإقرار الشرع والسور ، وأمره أن لا ينسى على معنى التثبيت والتأكيد ، وقد علم أن ترك النسيان ليس في قدرته ، فقد نهي عن إغفال التعاهد ، وأثبت الياء في «تنسى » لتعديل رؤوس الآي{[11750]} ، وقال الجنيد : معنى { فلا تنسى } ، لا تترك العمل بما تضمن من أمر ونهي
قد عرفت أن الأمر بالتسبيح في قوله : { سبح اسم ربك الأعلى } [ الأعلى : 1 ] بشارة إجمالية للنبيء صلى الله عليه وسلم بخير يحصل له ، فهذا موقعُ البيان الصريح بوعده بأنه سيعصمه من نسيان ما يُقرئه فيبلِّغُه كما أوحي إليه ويحفظه من التفلت عليه ، ولهذا تكون هذه الجملة استئنافاً بيانياً لأن البشارة تنشىء في نفس النبي صلى الله عليه وسلم ترقباً لوعد بخير يأتيه فبشره بأنه سيزيده من الوحي ، مع ما فرَّع على قوله : { سنقرئك } من قوله : { فلا تنسى } .
وإذ قد كانت هذه السورة من أوائل السور نزولاً . وقد ثبت في الصحيح عن ابن عباس : « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعالج من التنزيل شِدة إذا نزل جبريل ، وكان ممَّا يحرك شفتيْه ولسانَه ، يريد أن يحفظه ويخشى أن يتفلت عليه فقيل له : { لا تحرّك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه } [ القيامة : 16 ، 17 ] ، إنّ علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه أن تقرأه : { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه } [ القيامة : 18 ] . يقول : إذا أُنزل عليك فاستمع ، قال : فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما قرأ جبريل كما وعده الله » وسورة القيامة التي منها { لا تحرك به لسانك } نزلت بعد سورة الأعلى فقد تعين أن قوله : { سنقرئك فلا تنسى } وعد من الله بعَونه على حفظ جميع ما يُوحى إليه .
وإنما ابتدىء بقوله : { سنقرئك } تمهيداً للمقصود الذي هو : { فلا تنسى } وإدماجاً للإِعلام بأن القرآن في تزايد مستمر ، فإذا كان قد خاف من نسيان بعض ما أُوحي إليه على حين قِلَّته فإنه سيتتابع ويتكاثر فلا يخش نسيانه فقد تكفل له عدم نسيانه مع تزايده .
والسين علامة على استقبال مدخولها ، وهي تفيد تأكيد حصول الفعل وخاصةً إذا اقترنت بفعل حاصل في وقت التكلم فإنها تقتضي أنه يستمر ويتجدد وذلك تأكيد لحصوله وإذ قد كان قوله : { سنقرئك فلا تنسى } إقراءً ، فالسين دالة على أن الإِقراء يستمر ويتجدد .
والالتفات بضمير المتكلم المعظَّم لأن التكلّم أنسب بالإِقبال على المبشَّر .
وإسناد الإقراء إلى الله مجاز عقلي لأنه جاعل الكلام المقروء وآمر بإقرائه .
فقوله : { فلا تنسى } خبر مراد به الوعد والتكفل له بذلك .
والنسيان : عدم خطور المعلوم السابق في حافظة الإنسان برهة أو زماناً طويلاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.