{ قَالَ قَرِينُهُ } الشيطان ، متبرئًا منه ، حاملاً عليه إثمه : { رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } لأني لم يكن لي عليه سلطان ، ولا حجة ولا برهان ، ولكن كان في الضلال البعيد ، فهو الذي ضل وأبعد عن الحق باختياره ، كما قال في الآية الأخرى : { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم } الآية{[832]}
{ قَالَ قَرِينُهُ } : قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وغيرهم : هو الشيطان الذي وكل به : { رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } أي : يقول عن الإنسان الذي قد وافى القيامة كافرًا ، يتبرأ منه شيطانه ، فيقول : { رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } أي : ما أضللته ، { وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ } أي : بل كان هو في نفسه ضالا قابلا للباطل معاندًا للحق . كما أخبر تعالى في الآية الأخرى في قوله : { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ إبراهيم : 22 ] .
{ قال قرينه } أي الشيطان المقيض له ، وإنما استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول فإنه جواب لمحذوف دل عليه . { ربنا ما أطغيته } كأن الكافر قال هو أطغاني ف { قال قرينه ربنا ما أطغيته } بخلاف الأولى فإنها واجبة العطف على ما قبلها للدلالة على الجمع بين مفهوميهما في الحصول ، أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول للدلالة على الجمع بين مفهوميهما في الحصول ، أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه : { ولكن كان في ضلال بعيد } فأعنته عليه فإن إغواء الشياطين إنما يؤثر فيمن كان مختل الرأي مائلا إلى الفجور كما قال الله تعالى : { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي } .
وقوله تعالى : { الذي جعل } الآية يحتمل أن يكون { الذي } بدلاً من { كفار } ويحتمل أن يكون صفة له من حيث تخصص { كفار } بالأوصاف المذكورة فجاز وصفه بهذه المعرفة ، ويحتمل أن يكون { الذي } ابتداء وخبره قوله : { فألقياه } ودخلت الفاء في قوله : { فألقياه } للإبهام الذي في { الذي } ، فحصل الشبه بالشرط وفي هذا نظر .
قال القاضي أبو محمد : ويقوى عندي أن يكون { الذي } ابتداء ، ويتضمن القول حينئذ بني آدم والشياطين المغوين لهم في الدنيا .
ولذلك تحرك القرين الشيطان المغوي في الدنيا ، فرام أن يبرئ نفسه ويخلصها بقوله : { ربنا ما أطغيته } لأنه كذب من نفي الإطغاء عن نفس جملة ، والحقيقة أنه أطغاه بالوسوسة والتزين ، وأطغاه الله بالخلق ، والاختراع حسب سابق قضائه الذي هو عدل منه ، لا رب غيره ، وبوصف الضلال بالبعيد مبالغة ، أي لتعذر رجوعه إلى الهدى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.