{ وَتِلْكَ عَادٌ } الذين أوقع الله بهم ما أوقع ، بظلم منهم لأنهم { جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } ولهذا قالوا لهود : { ما جئتنا ببينة } فتبين بهذا أنهم متيقنون لدعوته ، وإنما عاندوا وجحدوا { وَعَصَوْا رُسُلَهُ } لأن من عصى رسولا ، فقد عصى جميع المرسلين ، لأن دعوتهم واحدة .
{ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ } أي : متسلط على عباد الله بالجبروت ، { عنيد } أي : معاند لآيات الله ، فعصوا كل ناصح ومشفق عليهم ، واتبعوا كل غاش لهم ، يريد إهلاكهم لا جرم أهلكهم الله .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتّبَعُوَاْ أَمْرَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ } .
يقول تعالى ذكره : وهؤلاء الذين أحللنا بهم نقمتنا وعذابنا عادٌ ، جحدوا بأدلة الله وحججه ، وعصوا رسله الذين أرسلهم إليهم للدعاء إلى توحيده واتباع أمره ، واتّبَعُوا أمْرَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ يعني كلّ مستكبر على الله ، حائد عن الحقّ لا يذعن له ولا يقبله ، يقال منه : عَنِدَ عن الحقّ فهو يَعْنَدُ عُنُودا ، والرجل عَانِدٌ وعَنُودٌ ، ومن ذلك قيل للعرق الذي ينفجر فلا يرقأ : عرق عانِدٌ : أي ضارّ ، ومنه قول الراجز :
*** إنّي كَبِيرٌ لا أُطِيقُ العُنّدَا ***
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَاتّبَعُوا أمْرَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ : المشرك .
وتعدى { جحدوا } بحرف جر لما نزل منزلة كفروا ، وانعكس ذلك في الآية بعد هذا{[6395]} ، وقوله : { وعصوا رسله } ، شنعة عليهم وذلك أن في تكذيب رسول واحد تكذيب سائر الرسل وعصيانهم ، إذ النبوات كلها مجمعة على الإيمان بالله والإقرار بربوبيته : ويحتمل أن يراد هود . وآدم ، ونوح و «العنيد » : فعيل من «عَنِدَ » إذا عتا . ومنه قول الشاعر : [ الرجز ] .
إني كبير لا أطيق الُعَّندا{[6396]}
أي الصعاب من الإبل ، وكان التجبر والعناد من خلق عاد لقوتهم .
الإشارة ب { تِلك } حاضر في الذّهن بسبب ما أجري عليه من الحديث حتى صار كأنّه حاضر في الحسّ والمشاهدة . كقوله تعالى : { تلك القرى نقصّ عليك من أنبائها } [ الأعراف : 101 ] وكقوله : { أولئك على هدىً من ربّهم } [ البقرة : 5 ] ، وهو أيضاً مثله في أنّ الإتيان به عقب الأخبار الماضية عن المشار إليهم للتنبيه على أنّهم جديرون بما يأتي بعد اسم الإشارة من الخبر لأجل تلك الأوصاف المتقدّمة .
وتأنيث اسم الإشارة بتأويل الأمّة .
و { عاد } بيان من اسم الإشارة .
وجملة { جحدوا } خبر عن اسم الإشارة . وهو وما بعده تمهيد للمعطوف وهو { وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة } لزيادة تسجيل التّمهيد بالأجرام السّابقة ، وهو الذي اقتضاه اسم الإشارة كما تقدّم ، لأنّ جميع ذلك من أسباب جمع العذابين لهم .
والجحد : الإنكار الشّديد ، مثل إنكار الواقعات والمشاهدات . وهذا يدلّ على أنّ هوداً أتاهم بآيات فأنكروا دلالتها . وعدي { جَحدوا } بالباء مع أنّه متعدّ بنفسه لتأكيد التّعدية ، أو لتضمينه معنى كفروا فيكون بمنزلة ما لو قيل : جحدوا آيات ربّهم وكفروا بها ، كقوله : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } [ النمل : 14 ] .
وجمع الرسل في قوله : { وعصَوا رُسلَه } وإنّما عَصَوْا رَسولاً واحداً ، وهو هود عليه السّلام لأنّ المراد ذكر إجرامهم فناسب أن يناط الجرم بعصيان جنس الرسل لأن تكذيبهم هوداً لم يكن خاصاً بشخصه لأنهم قالوا له : { وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك } [ هود : 53 ] ، فكل رسول جاء بأمر ترك عبادة الأصنام فهم مكذبون به . ومثله قوله تعالى : { كذّبت عادٌ المرسلين } [ الشعراء : 123 ] .
ومعنى اتباع الآمر : طاعة ما يأمرهم به ، فالاتّباع تمثيل للعمل بما يملى على المتبع ، لأنّ الآمر يشبه الهادي للسائر في الطريق ، والممتثلَ يشبه المتبع للسائر .
والجبار : المتكبّر . والعنيد : مبالغة في المعاندة . يقال : عند مثلث النون إذا طغى ، ومن كان خلقه التجبّر ، والعنود لا يأمر بخير ولا يدعو إلاّ إلى باطل ، فدلّ اتّباعهم أمر الجبابرة المعاندين على أنّهم أطاعوا دعاة الكفر والضلال والظلم .
و { كل } من صيغ العموم ، فإنْ أريد كلّ جبار عنيد من قومهم فالعموم حقيقي ، وإنْ أريد جنس الجبابرة ف { كلّ } مستعملة في الكثرة كقول النابغة :
ومنه قوله تعالى : { يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامرٍ } في سورة [ الحج : 27 ] .
وإتْباع اللعنة إيّاهم مستعار لإصابتها إيّاهم إصابة عاجلة دون تأخير كما يتبع الماشي بمن يلحقه . وممّا يزيد هذه الاستعارة حسناً ما فيها من المشاركة ومن مماثلة العقاب للجرم لأنّهم اتّبعوا الملعونين فأتبعوا باللّعنة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.