إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَتِلۡكَ عَادٞۖ جَحَدُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَعَصَوۡاْ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ} (59)

{ وَتِلك عَادٌ } أُنّث اسمُ الإشارةِ باعتبار القبيلةِ أو لأن الإشارةَ إلى قبورهم وآثارهِم { جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِم } كفروا بها بعد ما استيقنوها { وَعَصَوْا رُسُلَهُ } جمعَ الرسلَ مع أنه لم يرسِلْ إليهم غيرَ هودٍ عليه الصلاة والسلام تفظيعاً لحالهم وإظهاراً لكمال كفرِهم وعنادِهم ببيان أن عصيانَهم له عليه الصلاة والسلام عصيانٌ لجميع الرسلِ السابقين واللاحقين لاتفاق كلمتِهم على التوحيد { لا نفرِّق بين أحد من رسله } [ البقرة ، الآية 285 ] فيجوز أن يراد بالآت ما أتى به هودٌ وغيرُه من الأنبياء عليهم السلام ، وفيه زيادةُ ملاءمةٍ لما تقدم من جميع الآياتِ وما تأخر من قوله : { وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } من كبرائهم ورؤسائِهم الدعاةِ إلى الضلال وإلى تكذيب الرسلِ فكأنه قيل : عصَوا كلَّ رسولٍ واتبعوا أمرَ كلِّ جبارٍ ، وهذا الوصفُ ليس كما سبق من جحود الآياتِ وعصيانِ الرسلِ في الشمول لكل فردٍ فردٌ منهم فإن الاتباعَ للأمر من أوصاف الأسافلِ دون الرؤساءِ ، وعنيدٌ فعيلٌ من عنَد عِنْداً وعنَداً إذا طغى والمعنى عصَوا مَنْ دعاهم إلى الهدى وأطاعوا من حداهم إلى الردى .