اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَتِلۡكَ عَادٞۖ جَحَدُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَعَصَوۡاْ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ} (59)

ولما ذكر قصة عاد خاطب قوم محمدٍ صلى الله عليه وسلم فقال : { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } وهو إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال : سِيحُوا في الأرض فانظرُوا إليها واعتبروا .

قوله : " جَحَدُوا " جملةٌ مستأنفة سيقت للإخبار عنهم بذلك ، وليْسَتْ حالاً ممَّا قبلها ، و " جَحَدَ " يتعدَّى بنفسه ، ولكنه ضُمِّنَ معنى " كَفَر " ، فيُعدَّى بحرفه ، كما ضمَّن " كَفَر " معنى " جَحَدَ " فتعدَّى بنفسه في قوله بعد ذلك : " كَفَرُوا ربَّهُمْ " .

وقيل : إنَّ " كَفَر " ك " شَكَر " في تعدِّيه بنفسه تارةً وبحرفِ الجر أخرى .

واعلم أنَّه تعالى وصفهم بثلاث صفاتٍ .

الأولى : قوله : { جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } أي : جحدوا دلائل المعجزات على الصِّدقِ ، أو حجدُوا دلائل المحدثات على وجودِ الصانع الحكيمِ .

والثانية : قوله : { وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } ومعناه : أنهم إذا عصوا رسُولاً واحداً ؛ فقد عصوا جميع الرُّسُلِ لقوله : { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } [ البقرة : 258 ] .

والثالثة : قوله : { واتبعوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } والمعنى : أنَّ السَّفلة كانُوا يقلدون الرؤساء في قولهم { مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [ المؤمنون : 33 ] .

وتقدَّم اشتقاقُ " الجبّار " [ المائدة : 22 ] . والعَنِيدُ والعَنُود والمُعَاند : المنازع المعارض قاله أبو عبيدٍ وهو الطَّاغي المتجاوزُ في الظُّلم من قولهم : " عَنَدَ يَعْنِد " إذا حاد عن الحقِّ من جانبٍ إلى جانب . ومنه " عندي " الذي هو ظرف ؛ لأنه في معنى جانب ، من قولك : عندي كذا ، أي : في جانبي .