تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرۡسِلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (6)

وقوله : { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ } أي : لنسألن الأمم الذين أرسل اللّه إليهم المرسلين ، عما أجابوا به رسلهم ، { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ } الآيات .

{ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } عن تبليغهم لرسالات ربهم ، وعما أجابتهم به أممهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرۡسِلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (6)

وقوله : { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ } الآية ، كقوله [ تعالى ]{[11552]} { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ } [ القصص : 65 ] وقوله : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ } [ المائدة : 109 ] فالرَّبُّ تبارك وتعالى يوم القيامة يسأل الأمم عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به ، ويسأل الرسل أيضا عن إبلاغ{[11553]} رسالاته ؛ ولهذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في تفسير هذه الآية : { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } قال : يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين ، ويسأل المرسلين عما بلغوا .

وقال ابن مَرْدُويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، حدثنا أبو سعيد الكنْدي ، حدثنا المحاربي ، عن لَيْث ، عن نافع ، عن ابن عمر [ رضي الله عنهما ]{[11554]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلكم رَاعٍ وكلكم مسئول عن رَعِيَّتِهِ ، فالإمام يُسْأل عن الرجل{[11555]} والرجل يسأل عن أهله{[11556]} والمرأة تسأل عن بيت زوجها ، والعبد يسأل عن مال سيده " . قال الليث : وحدثني ابن طاوس ، مثله ، ثم قرأ : { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ }{[11557]} .

وهذا الحديث مُخَرَّجٌ في الصحيحين بدون هذه الزيادة{[11558]}


[11552]:زيادة من ك، م، أ.
[11553]:في ك، م: "بلاغ".
[11554]:زيادة من أ.
[11555]:في ك: "عن رعيته".
[11556]:في أ: "أهل بيته".
[11557]:وفي إسناده عبد الرحمن بن محمد المحاربي، قال ابن معين: يروى المناكير عن المجهولين، ولكن روي من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر وفي الصحيحين.
[11558]:صحيح البخاري برقم (5188) وصحيح مسلم برقم (1829).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرۡسِلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (6)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنّ الْمُرْسَلِينَ } .

يقول تعالى ذكره : لنسألنّ الأمم الذين أرسلت إليهم رسلي ماذا عملت فيما جاءتهم به الرسل من عندي من أمري ونهيي ، هل عملوا بما أمرتهم به وانتهوا عما نهيتهم عنه وأطاعوا أمري ، أم عصوني ، فخالفوا ذلك ؟ وَلَنَسْأَلَنّ المُرْسَلِينَ يقول : ولنسألنّ الرسل الذين أرسلتهم إلى الأمم ، هل بلغتهم رسالاتي وأدّت إليهم ما أمرتهم بأدائه إليه ، أم قصّروا في ذلك ففرّطوا ولم يبلغوهم ؟ .

وكذلك كان أهل التأويل يتأوّلونه . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ وَلَنَسأَلَنّ المُرْسَلِينَ قال : يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين ، ويسأل المرسلين عما بلغوا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَلَنْسأَلَنَ الّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ . . . إلى قوله : غائِبِينَ قال : يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون .

حدثني محمد بن الحسين ، قلا : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ ارْسِلَ إلَيْهِمْ وَلَنَسْألَنّ المُرْسَلِينَ يقول فلنسألن الأمم ما عملوا فيما جاءت به الرسل ، ولنسألنّ الرسل هل بّلغوا ما أرسلوا به .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد المدني ، قال : قال مجاهد : فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ الأمم ، ولنسألنّ الذين أرسلنا إليهم عما ائتمناهم عليه ، هل بّلغوا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرۡسِلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (6)

{ فلنسألنّ الذين أرسل إليهم } عن قبول الرسالة وإجابتهم الرسل . { ولنسألن المرسلين } عما أجيبوا به ، والمراد عن هذا السؤال توبيخ الكفرة وتقريعهم ، والمنفي في قوله : { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } سؤال استعلام . أو الأول في موقف الحساب وهذا عند حصولهم على العقوبة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرۡسِلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (6)

الفاء في قوله : { فلنسألن } عاطفة ، لِترتيب الأخبار لأنّ وجود لام القسم علامة على أنّه كلام أنُفٌ انتقال من خبر إلى خبر ، ومن قصة إلى قصة وهو انتقالٌ من الخبر عن حَالتهم الدنيوية إلى الخبر عن أحوالهم في الآخرة .

وأكّد الخبر بلام القسم ونون التّوكيد لإزالة الشكّ في ذلك .

وسؤال الذين أرسل إليهم سُؤال عن بلوغ الرّسالة . وهو سؤال تقريع في ذلك المحشر ، قال تعالى : { ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين } [ القصص : 65 ] .

وسؤال المرسلين عن تبليغهم الرّسالة سؤال إرهاب لأمُمِهم ، لأنّهم إذا سمعوا شهادة رسلهم عليهم أيقنوا بأنّهم مسوقون إلى العذاب ، وقد تقدّم ذلك في قوله : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد } [ النساء : 41 ] وقوله { يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم } [ المائدة : 109 ] .

و { الذين أرسل إليهم } ، هم أمم الرّسل ، وعبّر عنهم بالموصول لما تدُلّ عليه الصّلة من التّعليل ، فإن فائدة الإرسال هي إجابة الرّسل ، فلا جرم أن يسأل عن ذلك المُرسَل إليهم ، ولمّا كان المقصود الأهمّ من السّؤال هو الأمم ، لإقامة الحجّة عليهم في استحقاق العقاب ، قُدّم ذكرهم على ذكر الرّسل ، ولما تدُلّ عليه صلة ( الذي ) وصلة ( ال ) من أنّ المسؤول عنه هو ما يتعلّق بأمر الرّسالةِ ، وهو سؤال الفريقين عن وقوع التّبليغ .

ولَمَّا دلّ على هذا المعنى التّعبيرُ : ب { الذين أرسل إليهم } والتّعبيرُ : ب { المرسلين } لم يحتجّ إلى ذكر جواب المسؤولين لظهور أنّه إثبات التّبليغ والبلاغ .