تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ} (43)

{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } أي : لأجلهم ولانتفاعهم وتعليمهم ، لكونها من الطرق الموضحة للعلوم ، ولأنها تقرب الأمور المعقولة بالأمور المحسوسة ، فيتضح المعنى المطلوب بسببها ، فهي مصلحة لعموم الناس .

{ و } لكن { مَا يَعْقِلُهَا } بفهمها وتدبرها ، وتطبيقها على ما ضربت له ، وعقلها في القلب { إِلَّا الْعَالِمُونَ } أي : أهل العلم الحقيقي ، الذين وصل العلم إلى قلوبهم .

وهذا مدح للأمثال التي يضربها ، وحثٌّ على تدبرها وتعقلها ، ومدح لمن يعقلها ، وأنه عنوان على أنه من أهل العلم ، فعلم أن من لم يعقلها ليس من العالمين .

والسبب في ذلك ، أن الأمثال التي يضربها اللّه في القرآن ، إنما هي للأمور الكبار ، والمطالب العالية ، والمسائل الجليلة ، فأهل العلم يعرفون أنها أهم من غيرها ، لاعتناء اللّه بها ، وحثه عباده على تعقلها وتدبرها ، فيبذلون جهدهم في معرفتها .

وأما من لم يعقلها ، مع أهميتها ، فإن ذلك دليل على أنه ليس من أهل العلم ، لأنه إذا لم يعرف المسائل المهمة ، فعدم معرفته غيرها من باب أولى وأحرى . ولهذا ، أكثر ما يضرب اللّه الأمثال في أصول الدين ونحوها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ} (43)

ثم قال تعالى : { وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ } أي : وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم المتضلعون منه .

قال{[22593]} الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثني ابن لَهِيعة ، عن أبي قَبِيل{[22594]} ، عن عمرو بن العاص ، رضي الله عنه ، قال : عَقَلْتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل{[22595]} .

وهذه منقبة عظيمة لعمرو بن العاص - رضي الله عنه - حيث يقول [ الله ]{[22596]} تعالى :

{ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ } .

وقال{[22597]} ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن سنان ، عن عمرو بن مرة قال : ما مررت بآية من كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنني ، لأني سمعت الله تعالى يقول : { وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ } .


[22593]:- في ت : "روى".
[22594]:- في ت : "بإسناده".
[22595]:- المسند (4/203) وقال الهيثمي في المجمع (8/264) "إسناده حسن".
[22596]:- زيادة من ت ، وفي ف : "تبارك و".
[22597]:- في ت : "رواه".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ} (43)

وقوله : وَتِلكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها للنّاسِ يقول تعالى ذكره : وهذه الأمثال ، وهي الأشباه والنظائر نضربها للناس يقول : نمثلها ونشبهها ونحتجّ بها للناس ، كما قال الأعشى :

هَلْ تَذْكُرَ العَهْدَ مِنْ تَنَمّصَ إذْ *** تَضْرِبُ لي قاعِدا بِها مَثَلا

وَما يَعْقلُها إلاّ العالِمُونَ يقول تعالى ذكره : وما يعقل أنه أصيب بهذه الأمثال التي نضربها للناس منهم الصواب والحقّ فيما ضربت له مثلاً إلاّ العالمون بالله وآياته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ} (43)

{ وتلك الأمثال } يعني هذا المثل ونظائره . { نضربها للناس } تقريبا لما بعد من أفهامهم . { وما يعقلها } ولا يعقل حسنها وفائدتها . { إلا العالمون } الذين يتدبرون الأشياء على ما ينبغي . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية فقال : " العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ} (43)

وقوله { وتلك الأمثال } إشارة إلى هذا المثل ونحوه ، و { نضربها } مأخوذ من الضرب أي النوع كما تقول هذان من ضرب واحد وهذا ضريب هذا أي قرينه وشبهه ، فكأنه ضرب المثل هو أن يجعل للأمر الممثل ضريب ، وباقي الآية بين . وقرأت فرقة «يدعون » بالياء من تحت ، وقرأت فرقة «تدعون » بالتاء على المخاطبة ، وقال جابر : قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { إلا العالون } : «العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته وانتهى عن معصيته » .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ} (43)

بعد أن بين الله لهم فساد معتقدهم في الأصنام ، وأعقبه بتوقيفهم على جهلهم بذلك ، نعى عليهم هنا أنهم ليسوا بأهل لتفهم تلك الدلائل التي قُربت إليهم بطريقة التمثيل ، فاسم الإشارة يبيّنه الاسم المبدل منه وهو { الأمثال } .

والإشارة إلى حاضر في الأذهان فإن كل من سمع القرآن حصل في ذهنه بعض تلك الأمثال . واسم الإشارة للتنويه بالأمثال المضروبة في القرآن التي منها هذا المثل بالعنكبوت .

وجملة { نضربها للناس } خبر عن اسم الإشارة . وهذه الجملة الخبرية مستعملة في الامتنان والطول لأن في ضرب الأمثال تقريباً لفهم الأمور الدقيقة . قال الزمخشري : « ولضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المُثل والنظائر شأنٌ ليس بالخفي في إبراز خبيئات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق حتى تريك المتخيل في صورة المتحقق والغائب كالمشاهد » . وقد تقدم بيان مزية ضرب الأمثال عند قوله تعالى { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها } في سورة البقرة( 26 ) .

ولهذا اتبعت هذه الجملة بجملة { وما يعقلها إلا العالمون } . والعقل هنا بمعنى الفهم ، أي لا يفهم مغزاها إلا الذين كمُلت عقولهم فكانوا علماء غير سفهاء الأحلام . وفي هذا تعريض بأن الذين لم ينتفعوا بها جهلاء العقول ، فما بالك بالذين اعتاضوا عن التدبر في دلالتها باتخاذها هُزءاً وسخرية ، فقالت قريش لما سمعوا قوله تعالى { إن الذين تَدْعُون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه } [ الحج : 73 ] ، وقوله { كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً } [ العنكبوت : 41 ] قالوا : ما يستحيي محمد أن يمثل بالذباب والعنكبوت والبعوض . وهذا من بهتانهم ، وإلا فقد علم البلغاء أن لكل مقام مقالاً ، ولكل كلمة مع صاحبتها مقام .