تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا يَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلَن يُكۡفَرُوهُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ} (115)

وأنهم مهما فعلوا { من خير } قليلا كان أو كثيرا { فلن يكفروه } أي : لن يحرموه ويفوتوا أجره ، بل يثيبهم الله على ذلك أكمل ثواب ، ولكن الأعمال ثوابها تبع لما يقوم بقلب صاحبها من الإيمان والتقوى ، فلهذا قال { والله عليم بالمتقين } كما قال تعالى : { إنما يتقبل الله من المتقين }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا يَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلَن يُكۡفَرُوهُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ} (115)

أي : لا يضيع عند الله بل يجزيكم به أوفر الجزاء . { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ } أي : لا يخفى عليه عمل عامل ، ولا يضيع لديه أجر من أحسن عملا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا يَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلَن يُكۡفَرُوهُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ} (115)

القول في تأويل قوله تعالى :

وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتّقِينَ

اختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفة : { وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } جميعا ، ردّا على صفة القوم الذين وصفهم جلّ ثناؤه بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر . وقرأته عامة قراء المدينة والحجاز وبعض قراء الكوفة بالتاء في الحرفين جميعا : { وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تُكْفُرُوهُ } بمعنى : وما تفعلوا أنتم أيها المؤمنون من خير فلن يكفركموه ربكم . وكان بعض قراء البصرة يرى القراءتين في ذلك جائزا بالياء والتاء في الحرفين .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا : { وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } بالياء في الحرفين كليهما ، يعني بذلك الخبر عن الأمة القائمة ، التالية آيات الله . وإنما اخترنا ذلك ، لأن ما قبل هذه الاَية من الاَيات خبر عنهم ، فإلحاق هذه الاَية إذ كان لا دلالة فيها تدلّ على الانصراف عن صفتهم بمعاني الاَيات قبلها أولى من صرفها عن معاني ما قبلها . وبالذي اخترنا من القراءة كان ابن عباس يقرأ .

حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم بن سلام ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن أبي عمرو بن العلاء ، قال : بلغني عن ابن عباس أنه كان يقرؤها جميعا بالياء .

فتأويل الاَية إذًا على ما اخترنا من القراءة : وما تفعل هذه الأمة من خير ، وتعمل من عمل لله فيه رضا فلن يكفرهم الله ذلك¹ يعني بذلك : فلن يبطل الله ثواب عملهم ذلك ، ولا يدعهم بغير جزاء منه لهم عليه ، ولكنه يجزل لهم الثواب عليه ، ويُسني لهم الكرامة والجزاء .

وقد دللنا على معنى الكفر مضى قبل بشواهده ، وأن أصله تغطية الشيء ، فكذلك ذلك في قوله : { فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } : فلن يغطي على ما فعلوا من خير ، فيتركوا بغير مجازاة ، ولكنهم يشكرون على ما فعلوا من ذلك ، فيجزل لهم الثواب فيه .

وبنحو ما قلنا في ذلك من التأويل تأوّل ذلك من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : «وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تُكْفَرُوهُ » يقول : لن يضلّ عنكم .

حُدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، بمثله .

وأما قوله : { وَاللّهُ عَليمٌ بالمُتّقِينَ } فإنه يقول تعالى ذكره : والله ذو علم بمن اتقاه بطاعته ، واجتناب معاصيه ، وحافظ أعمالهم الصالحة حتى يثيبهم عليها ، ويجازيهم بها . تبشيرا منه لهم جلّ ذكره في عاجل الدنيا ، وحضّا لهم على التمسك بالذي هم عليه من صالح الأخلاق التي ارتضاها لهم .