قوله : { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } .
قرأ الأخوان وحَفْص : " يَفْعَلُوا " و " يُكْفروهُ " – بالغيبة- .
والباقون بالخطاب . {[5813]}
الغيب مراعاة لقوله : { مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ } ، فجرى على لفظ الغيبة ، أخبرنا - تعالى - أن ما يفعلونه من خير يبقى لهم غير مكفور ؛ وقراءة الباقين بالتاء الرجوع إلى الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في قوله : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } .
ويجوز أن يكون التفاتاً من الغيبة في قوله : { أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ } إلى آخره ؛ إلى خطابهم ، وذلك أنه آنسهم بهذا الخطاب ، ويؤيد ذلك أنه اقتصر على ذكر الخير دون الشر ؛ ليزيد في التأنيس . ويدل على ذلك قراءة الأخوين ؛ فإنها كالنص في أن المراد قوله : { أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ } .
اعلم أن اليهودَ لما قالوا لعبد الله بن سلام وأصحابه : إنكم خسرتم بسبب إيمانكم ، قال الله تعالى : بل فازوا بالدرجات العُظْمَى ، فالمقصود تعظيمهم ؛ ليزول عن قلبهم أثر كلام أولئك الجهال ، وهذا وإن كان لفظه - على قراءة الغيبة - لمؤمني أهل الكتاب ، فسائر الخلق يدخلون فيه نظراً إلى العلّة .
أما على قراءة المخاطبة فهذا ابتداء خطاب لجميع المؤمنين - ونظيره قوله : { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ } [ البقرة : 197 ] ، وقوله : { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } [ البقرة : 272 ] ، وقوله : { وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ } [ المزمل : 20 ] ، ونقل عن أبي عمرو : أنه كان يقرأها بالقراءتين{[5814]} .
وسُمِّيَ منع الجزاء كفراً لوجهين :
الأول : أنه - تعالى - سَمَّى إيصال الجزاء شُكْراً ، فقال : { فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 158 ] ، وسمى منعه كفراً .
الثاني : أن الكفر - في اللغة - : الستر . فسمي منع الجزاء كُفْراً ؛ لأنه بمنزلة الجَحْدِ والستر .
فإن قيل : " شكر " و " كفر " لا يتعديان إلا إلى واحد ، يقال : شكر النعمة ، وكفرها - فكيف تعدّى - هنا - لاثنين أولهما قام مقام الفاعل ، والثاني : الهاء في " يكفروه " ؟ .
فقيل : إنه ضُمِّن معنى فعل يتعدى لاثنين - كحرم ومنع ، فكأنه قيل : فلن يُحْرَموه ، ولن يُمْنَعُوا جزاءه .
ثم قال : { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ } واسم " الله " يدل على عدم العجز ، والبخل ، والحاجة ؛ لأنه إله جميع المحدثات ، وقوله : " عَلِيمٌ " يدل على عدم الجَهْل ، وإذا انتفت هذه الصفاتُ ، امتنع المنع من الجزاء ؛ لأن منعَ الحق لا بد وأن يكون لأحد هذه الأمور .
وقوله : { بِالمُتَّقِينَ } - مع أنه عالم بالكلِّ - بشارة للمتقين بجزيل الثواب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.