روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَمَا يَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلَن يُكۡفَرُوهُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ} (115)

{ وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } أي طاعة متعدية أو سارية { فَلَنْ يُكْفَروهُ } أي لن يحرموا ثوابه ألبتة ، وأصل الكفر الستر ولتفسيره بما ذكرنا تعدى إلى مفعولين والخطاب قيل : لهذه الأمة وهو مرتبط بقوله تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } ( آل عمران ؛ 110 ) وجميع ما بينهما استطراد ، وقيل : لأولئك الموصوفين بالصفات المذكورة وفيه التفات ؛ ونكتته الخاصة هنا الإشارة إلى أنهم لاتصافهم بهذه المزايا أهل لأن يخاطبوا ، وقرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر بالياء في الفعلين ، والباقون بالتاء فيهما غير أبي عمرو فإنه روي عنه أنه كان يخبر بهما ، وعلى قراءة الغيبة يجوز أن يراد من الضمير ما أريد من نظائره فيما قبل ويكون الكلام حينئذ على وتيرة واحدة ، ويحتمل أن يعود للأمة ويكون العدول إلى الغيبة مراعاة للأمة كما روعيت أولاً في التعبير بأخرجت دون أخرجتم وهذه طريقة مشهورة للعرب في مثل ذلك . { والله عَلِيمٌ بالمتقين } أي بأحوالهم فيجازيهم وهذا تذييل مقرر لمضمون ما قبله . والمراد بالمتقين إما عام ويدخل المخاطبون دخولاً أولياً وإما خاص بالمتقدمين وفي وضع الظاهر موضع المضمر إيذان بالعلة وأنه لا يفوز عنده إلا أهل التقوى ، وعلى هذا يكون قوله تعالى : { إِنَّ الذين كَفَرُواْ لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أموالهم وَلاَ أولادهم مّنَ الله شَيْئاً } .

( هذا ومن باب الإشارة ) :{ وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } يقربكم إلى الله تعالى { فَلَنْ يُكْفَروهُ } فقد جاء «من تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة » { والله عَلِيمٌ بالمتقين } [ آل عمران : 115 ] أي الذين اتقوا ما يحجبهم عنه فيتجلى لهم بقدر زوال الحجاب