وقوله : ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) أما الفاكهة فهو ما يتفكه به من الثمار . قال ابن عباس : الفاكهة : كل ما أكل رطبا . والأبّ ما أنبتت الأرض ، مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس - وفي رواية عنه : هو الحشيش للبهائم . وقال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبو مالك : الأب : الكلأ . وعن مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وابن زيد : الأب للبهائم كالفاكهة لبني آدم . وعن عطاء : كل شيء نبت على وجه الأرض فهو أبٌّ . وقال الضحاك : كل شيء أنبتته الأرض سوى الفاكهة فهو أبٌّ .
وقال ابن إدريس ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن ابن عباس : الأب : نبت الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس . ورواه ابن جرير من ثلاث طرق ، عن ابن إدريس ، ثم قال : حدثنا أبو كُرَيْب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس ، حدثنا عبد الملك ، عن سعيد بن جبير قال : عدّ ابن عباس وقال : الأب : ما أنبتت الأرض للأنعام . هذا لفظ أبي كريب ، وقال أبو السائب : ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس وتأكل الأنعام .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : الأب : الكلأ والمرعى . وكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وابن زيد ، وغير واحد .
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : حدثنا محمد بن يزيد ، حدثنا العوام بن حَوشَب ، عن إبراهيم التَّيمي قال : سُئِلَ أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، عن قوله تعالى : ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) فقال : أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني إن قلتُ في كتاب الله ما لا أعلم{[29715]} .
وهذا منقطع بين إبراهيم التيمي والصديق . فأما ما رواه ابن جرير حيث قال : حدثنا ابن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي ، حدثنا حُمَيد ، عن أنس قال : قرأ عمر بن الخطاب ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) فلما أتي على هذه الآية : ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) قال : عرفنا ما الفاكهة ، فما الأب ؟ فقال : لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف{[29716]} .
فهو إسناد صحيح ، وقد رواه غير واحد عن أنس ، به . وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه ، وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض ، لقوله : ( فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا )
القول في تأويل قوله تعالى : { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مّتَاعاً لّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ * فَإِذَا جَآءَتِ الصّآخّةُ * يَوْمَ يَفِرّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهُ وَبَنِيهِ * لِكُلّ امْرِىءٍ مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلََئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ } .
**قول تعالى ذكره : وفاكهة : ما يأكله الناس من ثمار الأشجار ، والأبّ : ما تأكله البهائم من العُشب والنبات . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن مبارك ، عن الحسن وَفاكِهَةً قال : ما يأكل ابن آدم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَفاكِهَةً قال : ما أكل الناس .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَفاكِهَةً قال : أما الفاكهة فلكم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَفاكِهَةً قال : الفاكهة لنا .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا حميد ، قال : قال أنس بن مالك : قرأ عمر : عَبَسَ وَتَوّلَى حتى أتى على هذه الاَية : وَفاكِهَةً وأبّا قال : قد علمنا ما الفاكهة ، فما الأبّ ؟ ثم أحسبه «شكّ الطبريّ » قال : إن هذا لهو التكلف .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن حميد ، عن أنس ، قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه عَبَسَ وَتَوَلّى فلما أتى على هذه الاَية وَفاكِهَةً وأبّا قال : قد عرفنا الفاكهة ، فما الأبّ ؟ قال : لعمرك يا بن الخطاب إن هذا لهو التكلف .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن موسى بن أنس ، عن أنس ، قال : قرأ عمر : وَفاكِهَةً وأبّا قال : قد عرفنا الفاكهة ، فما الأبّ ؟ ثم قال : بحسبنا ما قد علمنا ، وألقى العصا من يده .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن خليد بن جعفر ، عن أبي إياس معاوية بن قُرة ، عن أنس ، عن عمر رضي الله عنه أنه قال : إن هذا هو التكلف .
قال : وحدثني قتادة ، عن أنس ، عن عمر بنحو هذا الحديث كله .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ويعقوب ، قالوا : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت عاصم بن كُلَيب ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : عدّ سبعا ، جعل رزقه في سبعة ، وجعله من سبعة ، وقال في آخر ذلك : الأبّ ما أنبتت الأرض ، مما لا يأكل الناس .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا ابن فضيل ، قال : حدثنا عاصم ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : الأبّ : نبت الأرض مما تأكله الدوابّ ، ولا يأكله الناس .
حدثنا أبو كرب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا عبد الملك ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : عدّ ابن عباس ، وقال : الأبّ : ما أنبتت الأرض للأنعام ، وهذا لفظ حديث أبي كريب . وقال أبو السائب في حديثه ، قال : ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس وتأكل الأنعام .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : الأبّ : الكلأ والمرعى كله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي رَزِين ، قال : الأبّ النبات .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رَزين ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش أو غيره ، عن مجاهد ، قال : الأبّ : المرعى .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، قال : قال مجاهد وأبّا : المرعى .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن مبارك ، عن الحسن وأبّا قال : الأبّ : ما تأكل الأنعام .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وأبّا قال : الأبّ : ما أكلت الأنعام .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أما الأبّ : فلأنعامكم نعم من الله متظاهرة .
حدثنا ابن بشر ، قال : حدثنا عبد الواحد ، قال : حدثنا يونس ، عن الحسن ، في قوله : وأبّا قال : الأبّ : العشب .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، وقتادة ، في قوله : وأبّا قال : هو ما تأكله الدوابّ .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وأبّا يعني : المرعى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأبّا قال : الأبّ لأنعامنا ، قال : والأبّ : ما ترعى . وقرأ : مَتاعا لَكُمْ ولأَنْعامِكُمْ .
قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس وعمرو بن الحرث ، عن ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : قال الله : وَقَضْبا وَزَيْتُونا وَنَخْلاً وَحَدائِقَ غُلْبا وَفاكِهَةً وأبّا كلّ هذا قد علمناه ، فما الأبّ ؟ ثم ضرب بيده ، ثم قال : لعمُرك إن هذا لهو التكلف ، واتبعوا ما يتبين لكم في هذا الكتاب . قال عمر : وما يتبين فعليكم به ، وما لا فدعوه .
وقال آخرون : الأبّ : الثمار الرّطبة . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وأبّا يقول : الثمار الرطبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.