تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا} (39)

ثم ذكر من هم الذين من قبل قد خلوا ، وهذه سنتهم وعادتهم ، وأنهم { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ ْ } فيتلون على العباد آيات اللّه ، وحججه وبراهينه ، ويدعونهم إلى اللّه { وَيَخْشَوْنَهُ ْ } وحده لا شريك له { وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا ْ } إلا اللّه .

فإذا كان هذا ، سنة في الأنبياء المعصومين ، الذين وظيفتهم قد أدوها وقاموا بها ، أتم القيام ، وهو : دعوة الخلق إلى اللّه ، والخشية منه وحده التي تقتضي فعل كل مأمور ، وترك كل محظور ، دل ذلك على أنه لا نقص فيه بوجه .

{ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ْ } محاسبًا عباده ، مراقبًا أعمالهم . وعلم من هذا ، أن النكاح ، من سنن المرسلين .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا} (39)

قوله تعالى : " سنة الله في الذين خلوا من قبل " هذه مخاطبة من الله تعالى لجميع الأمة . أعلمهم أن هذا ونحوه هو السنن الأقدم في الأنبياء أن ينالوا ما أحله لهم ، أي سن لمحمد صلى الله عليه وسلم التوسعة عليه في النكاح سنة الأنبياء الماضية ، كداود وسليمان . فكان لداود مائة امرأة وثلاثمائة سرية ، ولسليمان ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية . وذكر الثعلبي عن مقاتل وابن الكلبي أن الإشارة إلى داود عليه السلام ؛ حيث جمع الله بينه وبين من فتن بها . و " سنة " نصب على المصدر ، أي سن الله له سنة واسعة و " الذين خلوا " هم الأنبياء ، بدليل وصفهم بعد بقوله : " الذين يبلغون رسالات الله " .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا} (39)

قوله : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ } ذلك إطراء من الله لرسله الذين خلوا من قبل وهم الذين يضطلعون بأكرم وجيبة وأشرفها وهي تبليغ رسالات الله إلى الناس فينصحون لهم ويأمرونهم بالحق وينهونهم عن الباطل وينذرونهم لقاء الله في الآخرة . وهم في ذلك إنما يخافون الله وحده ولا يخافون أحدا سواه . فلا تصدنهم سطوة الظالمين والمعرضين عن تبليغ ما أوكل الله إليهم من أمانة التبليغ { وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } أي كفى بالله حافظا لأعمال العباد ومحاسبا عليها ، صغيرة أو كبيرة . أو كفى به ناصرا ومعينا وكافيا للمخاوف{[3750]} فهو سبحانه أحق أن يخشاه العباد . والمرسلون في ذلك عنوان الشجاعة والصبر والتجرد لدين الله . وهم المثال المحتذى في الصدق وعلو الهمة والدعوة إلى الله مخلصين ثابتين غير خائفين ولا وجلين . ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم سيد البشرية كافة وإمام المرسلين أجمعين في هذا المعنى . فقد أدى ما عليه من أمانة التبليغ كامل الأداء ، فلم تثنه الصعاب والمكاره والمكائد حتى لقي الله راضيا مرضيّا وقد شاع دينه فملأ شطرا من الأرض . ثم قام بإشاعته وتبليغه من بعده غرٌّ ميامين من صحابة وتابعين وتابعيهم ومن بعدهم من الأبرار الذين حملوا رسالة الإسلام إلى الخافقين .


[3750]:تفسير ابن كثير ج 3 ص 492 والكشاف ج 3 ص 263-264