تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ وَلَا يَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (60)

{ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } أي : لا شك فيه وهذا مما يعين على الصبر فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع بل سيجده كاملا هان عليه ما يلقاه من المكاره [ ص 646 ] ويسر عليه كل عسير واستقل من عمله كل كثير .

{ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ } أي : قد ضعف إيمانهم وقل يقينهم فخفت لذلك أحلامهم وقل صبرهم ، فإياك أن يستخفك هؤلاء فإنك إن لم تجعلهم{[658]} منك على بال وتحذر منهم وإلا استخفوك وحملوك على عدم الثبات على الأوامر والنواهي ، والنفس تساعدهم على هذا وتطلب التشبه والموافقة{[659]} وهذا مما يدل على أن كل مؤمن موقن رزين العقل يسهل عليه الصبر ، وكل ضعيف اليقين ضعيف [ العقل ]{[660]} خفيفه .

فالأول بمنزلة اللب والآخر بمنزلة القشور فاللّه المستعان .


[658]:- كذا في ب وفي أ: تجعل.
[659]:- كذا في ب وفي أ: والموافقة.
[660]:- زيادة من ب.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ وَلَا يَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (60)

" فاصبر إن وعد الله حق " أي اصبر على أذاهم فإن الله ينصرك " ولا يستخفنك " أي لا يستفزنك عن دينك " الذين لا يوقنون " قيل : هو النضر بن الحارث . والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته ، يقال : استخف فلان فلانا أي استجهله حتى حمله على اتباعه في الغي . وهو في موضع جزم بالنهي ، أكد بالنون الثقيلة فبني على الفتح كما يبنى الشيئان إذا ضم أحدهما إلى الآخر . " الذين لا يوقنون " في موضع رفع ، ومن العرب من يقول : اللذون في موضع الرفع . وقد مضى في " الفاتحة " {[12544]} .


[12544]:راجع ج 1 ص 148.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ وَلَا يَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (60)

ولما كان هذا مذكراً{[53551]} بعظيم قدرته بعد الإياس من إيمانهم ، سبب عنه قوله : { فاصبر } أي على إنذارهم مع هذا الجفاء والرد بالباطل والأذى ، {[53552]}فإن الكل فعلنا لم يخرج منه{[53553]} شيء عن إرادتنا .

ولما كان {[53554]}قد تقدم{[53555]} إليه بأنه لا بد أن يظهر أمره على كل{[53556]} أمر ، علله بقوله مؤكداً {[53557]}لأن إنفاذ{[53558]} مثل ذلك في محل الإنكار لعظم المخالفين وكثرتهم مظهراً غير مضمر{[53559]} لئلا يظن التقييد بحيثية الطبع : { إن وعد الله } أي الذي له الكمال كله في {[53560]}كل ما وعدك به الذي منه{[53561]} نصرك وإظهار دينك على الدين كله ونصر من قارب أتباعك في التمسك بكتاب من كتب الله وإن كان قد نسخ على من لا كتاب له { حق } أي ثابت جداً يطابقه الواقع كما يكشف عنه الزمان ، وتأتي به مطايا الحدثان .

ولما كان التقدير : فلا تعجل ، عطف عليه قوله : { ولا يستخفنك } أي يحملنك على الخفة ويطلب أن تخف باستعجال النصر خوفاً من عواقب تأخيره أو بتفتيرك{[53562]} عن التبليغ ، بل كن بعيداً منهم بالغلظة والجفاء والصدع بمر{[53563]} الحق من غير محاباة ما ، بعداً لا يطمعون معه أن يحتالوا في خفتك في ذلك بنوع احتيال{[53564]} ، وقراءة " يستحقنك {[53565]} " من الحق معناها{[53566]} : أي لا يطلب منك الحق الذي هوالفصل العدل بينك وبينهم أي لا تطلبه أنت ، فهو مثل : لا أرينك ههنا تنهى نفسك وأنت تريد نهيه عن الكون بحيث تراه ، والنهي في قراءة الجماعة{[53567]} بالثقيلة أشد منه في رواية رويس عن يعقوب بالخفيفة ، فقراءة الجماعة مصوبة إلى أصل الدين ، أي لا تفعل معهم فعلاً يطمعهم في أن تميل إليهم فيه ، وقراءة رويس إلى نحو الأموال فإنه كان يتألفهم بالإيثار بها ، ولا شك أنه إذا آثرهم على أكابر المسلمين أطمعهم ذلك في{[53568]} أن يطلبوا أن يميل معهم ، وما أفاد هذا إلا تحويل النهي ، ولو قيل : لا تخفن معهم ، لم يفد ذلك ، ولا يقال عكس هذا من أن النهي في الثقيلة أخف لأنه نهي عن الفعل المؤكد فيبقى أصل الفعل .

وكذا ما صحبه تأكيد خفيف ، وفي الخفيفة غير{[53569]} المؤكد تأكيداً خفيفاً فلا يبقى غير أصل الفعل فهو أبلغ ، لأن النون لم تدخل إلا بعد دخول الناهي فلم تفد إلا قوة النهي{[53570]} لا قوة المنهي عنه - والله أعلم . { الذين لا يوقنون } أي أذى الذين لا يصدقون بوعودنا{[53571]} تصديقاً ثابتاً {[53572]}في القلب{[53573]} بل هم إما شاكون فأدنى شيء{[53574]} يزلزلهم كمن يعبد الله على حرف ، أو مكذبون بنصر الله لأوليائه المؤمنين ولمن قاربهم في التمسك بكتاب أصله صحيح ، فهم يبالغون في العداوة والتكذيب حتى{[53575]} أنهم ليخاطرون في وعد الله بنصر الروم على فارس ، كأنهم على ثقة وبصيرة من أمرهم في أن ذلك لا يكون ، فإذا صدق الله وعده في ذلك بإظهار عن قريب علموا كذبهم عياناً ، وعلموا - إن كان لهم علم - أن الوعد بالساعة لإقامة العدل على الظالم والعود بالفضل على المحسن كذلك يأتي وهم صاغرون ، ويحشرون {[53576]}وهو{[53577]} داخرون ،

{ و{[53578]} سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون }[ الشعراء : 227 ] ، فقد انعطف آخرها على أولها عطف الحبيب على الحبيب ، واتصل به اتصال القريب بالقريب ، والتحم التحام النسيب بالنسيب .


[53551]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مكرر.
[53552]:العبارة من هنا إلى "عن إرادتنا" ساقطة من م.
[53553]:من ظ ومد، وفي الأصل: عنه.
[53554]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: قدم.
[53555]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: قدم.
[53556]:زيد من ظ وم ومد.
[53557]:في ظ: لا إنفاذ، والعبارة من هنا إلى "بحيثية الطبع" ساقط من م.
[53558]:في ظ: لا إنفاذ، والعبارة من هنا إلى "بحيثية الطبع" ساقط من م.
[53559]:من ظ ومد، وفي الأصل: مظهر.
[53560]:سقط ما بين الرقمين من م.
[53561]:سقط ما بين الرقمين من م.
[53562]:من ظ ومد، وفي الأصل: بتقصيرك، وفي م: بتغييرك.
[53563]:من م ومد، وفي الأصل وظ: بمر.
[53564]:في ظ: احتمال.
[53565]:راجع روح المعاني 6/460.
[53566]:في ظ ومد: بمعناها.
[53567]:راجع نثر المرجان 5/318.
[53568]:من ظ وم ومد، وفي الأصل "و".
[53569]:في ظ ومد: عن.
[53570]:في م: الناهي.
[53571]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بوعدنا.
[53572]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالقلب.
[53573]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالقلب.
[53574]:زيد في ظ: من قولهم.
[53575]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: على.
[53576]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[53577]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[53578]:زيد من ظ وم ومد والقرآن الكريم سورة 26 آية 227.