تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَا كُفۡرَانَ لِسَعۡيِهِۦ وَإِنَّا لَهُۥ كَٰتِبُونَ} (94)

ثم فصل جزاءه فيهم ، منطوقا ومفهوما ، فقال : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ } أي : الأعمال التي شرعتها الرسل وحثت عليها الكتب { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } بالله وبرسله ، وما جاءوا به { فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } أي : لا نضيع سعيه ولا نبطله ، بل نضاعفه له أضعافا كثيرة .

{ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } أي : مثبتون له في اللوح المحفوظ ، وفي الصحف التي مع الحفظة . أي : ومن لم يعمل من الصالحات ، أو عملها وهو ليس بمؤمن ، فإنه محروم ، خاسر في دينه ، ودنياه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَا كُفۡرَانَ لِسَعۡيِهِۦ وَإِنَّا لَهُۥ كَٰتِبُونَ} (94)

93

( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ، فلا كفران لسعيه ، وإنا له كاتبون ) .

هذا هو قانون العمل والجزاء . . لا جحود ولا كفران للعمل الصالح متى قام على قاعدة الإيمان . . وهو مكتوب عند الله لا يضيع منه شيء ولا يغيب .

ولا بد من الإيمان لتكون للعمل الصالح قيمته ، بل ليثبت للعمل الصالح وجوده . ولا بد من العمل الصالح لتكون للإيمان ثمرته ، بل لتثبت للإيمان حقيقته .

إن الإيمان هو قاعدة الحياة ، لأنه الصلة الحقيقية بين الإنسان وهذا الوجود ، والرابطة التي تشد الوجود بما فيه ومن فيه إلى خالقه الواحد ، وترده إلى الناموس الواحد الذي ارتضاه ، ولا بد من القاعدة ليقوم البناء . والعمل الصالح هو هذا البناء . فهو منهار من أساسه ما لم يقم على قاعدته .

والعمل الصالح هو ثمرة الإيمان التي تثبت وجوده وحيويته في الضمير . والإسلام بالذات عقيدة متحركة متى تم وجودها في الضمير تحولت إلى عمل صالح هو الصورة الظاهرة للإيمان المضمر . . والثمرة اليانعة للجذور الممتدة في الأعماق .

ومن ثم يقرن القرآن دائما بين الإيمان والعمل الصالح كلما ذكر العمل والجزاء . فلا جزاء على إيمان عاطل خامد لا يعمل ولا يثمر . ولا على عمل منقطع لا يقوم على الإيمان .

والعمل الطيب الذي لا يصدر عن إيمان إنما هو مصادفة عابرة ، لأنه غير مرتبط بمنهج مرسوم ، ولا موصول بناموس مطرد . وإن هو إلا شهوة أو نزوة غير موصولة بالباعث الأصيل للعمل الصالح في هذا الوجود . وهو الإيمان بإله يرضى عن العمل الصالح ، لأنه وسيلة البناء في هذا الكون ، ووسيلة الكمال الذي قدره الله لهذه الحياة . فهو حركة ذات غاية مرتبطة بغاية الحياة ومصيرها ، لا فلتة عابرة ، ولا نزوة عارضة ، ولا رمية بغير هدف ، ولا اتجاها معزولا عن اتجاه الكون وناموسه الكبير .

والجزاء على العمل يتم في الآخرة حتى ولو قدم منه قسط في الدنيا . فالقرى التي هلكت بعذاب الاستئصال ستعود كذلك حتما لتنال جزاءها الأخير ، وعدم عودتها ممتنعة ، فهي راجعة بكل تأكيد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَا كُفۡرَانَ لِسَعۡيِهِۦ وَإِنَّا لَهُۥ كَٰتِبُونَ} (94)

فُرّع على الوعيد المعرض به في قوله تعالى : { كل إلينا راجعون } [ الأنبياء : 94 ] تفريعٌ بديع من بيان صفة ما توعدوا به ، وذلك من قوله تعالى : { فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } [ الأنبياء : 97 ] الآيات .

وقدم وَعد المؤمنين بجزاء أعمالهم الصالحة اهتماماً به ، ولوقوعه عقب الوعيد تعجيلاً لمسرة المؤمنين قبل أن يسمعوا قوارع تفصيل الوعيد ، فليس هو مقصوداً من التفريع ، ولكنه يشبه الاستطراد تنويهاً بالمؤمنين كما سيُعتَنى بهم عقب تفصيل وعيد الكافرين بقوله تعالى : { إن الذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون } [ الأنبياء : 101 ] إلى آخر السورة .

والكفران مصدر أصله عدم الاعتراف بالإحسان ، ضد الشكران . واستعمل هنا في حرمان الجزاء على العمل الصالح على طريقة المجاز لأن الاعتراف بالخير يستلزم الجزاء عليه عُرفاً كقوله تعالى : { وما تفعلوا من خير فلن تكفروه } [ آل عمران : 115 ] فالمعنى : أنهم يُعطَون جزاء أعمالهم الصالحة .

وأكد ذلك بقوله : { وإنا له كاتبون } مؤكداً بحرف التأكيد للاهتمام به .

والكتابة كناية عن تحققه وعدم إضاعته لأن الاعتناء بإيقاع الشيء يستلزم الحفظ عن إهماله وعن إنكاره ، ومن وسائل ذلك كتابته ليذكر ولو طالت المدة . وهذا لزوم عرفي . قال الحارث بن حلزة :

وهَل يَنقض ما في المهارق الأهواء

وذلك مع كون الكتابة مستعملة في معناها الأصلي كما جاءت بذلك الظواهر من الكتاب والسنة .