تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ وَأَخَّرَتۡ} (5)

{ 1 - 5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ }

أي : إذا انشقت السماء وانفطرت ، وانتثرت  نجومها ، وزال جمالها ، وفجرت البحار فصارت بحرا واحدا ، وبعثرت القبور بأن أخرجت  ما فيها من الأموات ، وحشروا للموقف بين يدي الله للجزاء على الأعمال . فحينئذ ينكشف الغطاء ، ويزول ما كان خفيا ، وتعلم كل نفس ما معها من الأرباح والخسران ، هنالك يعض الظالم على يديه إذا رأى أعماله باطلة ، وميزانه قد خف ، والمظالم قد تداعت إليه ، والسيئات قد حضرت لديه ، وأيقن بالشقاء الأبدي والعذاب السرمدي .

و [ هنالك ] يفوز المتقون المقدمون لصالح الأعمال بالفوز العظيم ، والنعيم المقيم والسلامة من عذاب الجحيم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ وَأَخَّرَتۡ} (5)

يؤيد هذا ويتناسق معه قوله بعد عرض هذه المشاهد والأحداث : ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) . . أي ما فعلته أولا وما فعلته أخيرا . أو ما فعلته في الدنيا ، وما تركته وراءها من آثار فعلها . أو ما استمتعت به في الدنيا وحدها ، وما ادخرته للآخرة بعدها .

على أية حال سيكون علم كل نفس بهذا مصاحبا لتلك الأهوال العظام . وواحدا منها مروعا لها كترويع هذه المشاهد والأحداث كلها !

والتعبير القرآني الفريد يقول : ( علمت نفس ) . . وهو يفيد من جهة المعنى : كل نفس . ولكنه أرشق وأوقع . . كما أن الأمر لا يقف عند حدود علمها بما قدمت وأخرت . فلهذا العلم وقعه العنيف الذي يشبه عنف تلك المشاهد الكونية المتقلبة . والتعبير يلقي هذا الظل دون أن يذكره نصا . فإذا هو أرشق كذلك وأوقع !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ وَأَخَّرَتۡ} (5)

وجملة : { علمت نفس ما قدمت وأخرت } جوابٌ لما في { إذا } من معنى الشرط ، ويتنازع التعلق به جميع ما ذكر من كلمات { إذا } الأربع . وهذا العلم كناية عن الحساب على ما قدمت النفوس وأخرت .

وعِلم النفوس بما قدمت وأخرت يحصل بعد حصول ما تضمنته جمل الشرط ب { إذا } إذ لا يلزم في ربط المشروط بشرطه أن يكون حصوله مقارناً لحصول شرطه لأنّ الشروط اللغوية أسباب وأمارات وليست عِللاً ، وقد تقدم بيان ذلك في سورة التكوير .

صيغة الماضي في قوله : { انفطرت } وما عطف عليه مستعملة في المستقبل تشبيهاً لتحقيق وقوع المستقبل بحصول الشيء في الماضي .

وإثبات العلم للناس بما قدموا وأخروا عند حصول تلك الشروط لعدم الاعتداد بعلمهم بذلك الذي كان في الحياة الدنيا ، فنزل منزلة عدم العلم كما تقدم بيانه في قوله : { علمت نفس ما أحضرت } في سورة التكوير ( 14 ) .

و{ نفس } مراد به العموم على نحو ما تقدم في : { علمت نفس ما أحضرت } في سورة التكوير ( 14 ) .

و{ ما قدمت وأخرت } : هو العمل الذي قدمتْه النفس ، أي عملته مقدماً وهو ما عملته في أول العمر ، والعملُ الذي أخرته ، أي عملته مؤخراً أي في آخر مدة الحياة ، أو المراد بالتقديم المبادرة بالعمل ، والمراد بالتأخير مقابله وهو ترك العمل .

والمقصود من هذين تعميم التوقيف على جميع ما عملته ومثله قوله تعالى : { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر } في سورة لا أقسم بيوم القيامة ( 13 ) .

والعلم يتحقق بإدراك ما لم يكن معلوماً من قبل وبتذكر ما نُسي لطول المدة عليه كما تقدم في نظيره في سورة التكوير . وهذا وعيد بالحساب على جميع أعمال المشركين ، وهم المقصود بالسورة كما يشير إليه قوله بعد هذا : { بل تكذبون بالدين } [ الانفطار : 9 ] ، ووعد للمتقين ، ومختلط لمن عملوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً .