تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (7)

{ 7 } { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }

يخبر تعالى عن عناد الكافرين ، وزعمهم الباطل ، وتكذيبهم بالبعث بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ، فأمر أشرف خلقه ، أن يقسم بربه على بعثهم ، وجزائهم بأعمالهم الخبيثة ، وتكذيبهم بالحق ، { وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } فإنه وإن كان عسيرًا بل متعذرًا بالنسبة إلى الخلق ، فإن قواهم كلهم ، لو اجتمعت{[1114]}  على إحياء ميت [ واحد ] ، ما قدروا على ذلك .

وأما الله تعالى ، فإنه إذا أراد أمرًا فإنما يقول له كن فيكون ، قال تعالى : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ } .


[1114]:- كذا في ب، وفي أ: اجتمعوا.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (7)

والمقطع الثالث بقية للمقطع الثاني يحكي تكذيب الذين كفروا بالبعث - وظاهر أن الذين كفروا هم المشركون الذين كان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يواجههم بالدعوة - وفيه توجيه للرسول أن يؤكد لهم أمر البعث توكيدا وثيقا . وتصوير لمشهد القيامة ومصير المكذبين والمصدقين فيه ؛ ودعوة لهم إلى الإيمان والطاعة ورد كل شيء لله فيما يقع لهم في الحياة :

زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا . قل بلى وربي لتبعثن ، ثم لتنبئون بما عملتم . وذلك على الله يسير . فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا . والله بما تعملون خبير . يوم يجمعكم ليوم الجمع ، ذلك يوم التغابن ، ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ، ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا . ذلك الفوز العظيم . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير . ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ، ومن يؤمن بالله يهد قلبه ، والله بكل شيء عليم ، وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين . الله لا إله إلا هو ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون . .

ومنذ البدء يسمي مقالة الذين كفروا عن عدم البعث زعما ، فيقضي بكذبه من أول لفظ في حكايته . ثم يوجه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى توكيد أمر البعث بأوثق توكيد ، وهو أن يحلف بربه . وليس بعد قسم الرسول بربه توكيد : ( قل : بلى وربي لتبعثن ) . . ( ثم لتنبئون بما عملتم ) . . فليس شيء منه بمتروك . والله أعلم منهم بعملهم حتى لينبئهم به يوم القيامة ! ( وذلك على الله يسير ) . . فهو يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم السر والعلن وهو عليم بذات الصدور . وهو على كل شيء قدير . كما جاء في مطلع السورة تمهيدا لهذا التقرير .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (7)

زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا الزعم ادعاء العلم ولذلك يتعدى إلى مفعولين وقد قام مقامهما أن بما في حيزه قل بلى أي بلى تبعثون وربي لتبعثن قسم أكد به الجواب ثم لتنبؤن بما عملتم بالمحاسبة والمجازاة وذلك على الله يسير لقبول المادة وحصول القدرة التامة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (7)

هذا ضرب ثالث من ضروب كفر المشركين المخاطبين بقوله : { ألم يأتكم } [ التغابن : 5 ] الخ ، وهو كفرهم بإنكارهم البعث والجزاءَ .

والجملة ابتدائية . وهذا الكلام موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقرينة قوله : { قل بلى } . وليس هذا من الإِظهار في مقام الإِضمار ولا من الالتفات بل هو ابتداء غرض مخاطببٍ به غيرُ من كان الخطاب جارياً معهم .

وتتضمن الجملة تصريحاً بإثبات البعث ذلك الذي أوتي إليه فيما مضى يفيد بالحق في قوله : { خلق السموات والأرض بالحق } [ التغابن : 3 ] وبقوله : { يعلم ما في السموات والأرض } [ التغابن : 4 ] كما علمته آنفاً .

والزعم : القول الموسوم بمخالفة الواقع خَطَأ فمنه الكذب الذي لم يتعمد قائله أن يخالف الواقع في ظن سامعه . ويطلق على الخبر المستغرب المشكوك في وقوع ما أُخبر به ، وعن شُريح : لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا ( أراد بالكنية الكناية ) . فَبَيْن الزعم والكذب عموم وخصوص وجهي .

وفي الحديث « بئس مطية الرجل إلى الكذب زعموا »{[425]} ، أي قول الرجل زعموا كذا . وروى أهل الأدب أن الأعشى لما أنشد قيس بن معد يكرب الكِندي قوله في مدحه :

ونبئتُ قيساً ولم أَبلُه *** كما زَعموا خيرَ أهل اليمن

غضب قيس وقال له : « وما هو إلا الزعم » .

ولأجل ما يصاحب الزعم من توهم قائله صدق ما قاله أُلحق فعلُ زعم بأفعال الظن فنصب مفعولين . وليس كثيراً في كلامهم ، ومنه قول أبي ذؤيب :

فإن تزعميني كنتُ أجهلُ فيكم *** فإني شَرَيْتُ الحِلم بَعدَككِ بالجهل

ومن شواهد النحو قول أبي أمية أوس الحنفي :

زعمتْني شيخاً ولستُ بشيخ *** إنما الشيخ من يَدبّ دبيباً

والأكثر أن يقع بعد فعل الزعم ( أَنَّ ) المفتوحة المشددة أو المخففة مثل التي في هذه الآية فيسد المصدرُ المنسبك مسدّ المفعولين . والتقدير : زعم الذين كفروا انتفاء بعثهم .

وتقدم الكلام على فعل الزعم في قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك } الآية في سورة [ النساء : 60 ] ، وقوله : { ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون } في سورة [ الأنعام : 22 ] وما ذكرته هنا أوفى .

والمراد ب { الذين كفروا } هنا المشركون من أهل مكة ومن على دينهم .

واجتلاب حرف { لن } لتأكيد النفي فكانوا موقنين بانتفاء البعث .

ولذلك جيء إبطال زعمهم مؤكَّداً بالقَسَم لينْقض نفيهم بأشد منه ، فأُمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبلغهم عن الله أن البعث واقع وخاطبهم بذلك تسجيلاً عليهم أن لا يقولوا ما بلغناه ذلك .

وجملة { قل بلى } معترضة بين جملة { زعم الذين كفروا } وجملةِ { فآمنوا بالله ورسوله } [ التغابن : 8 ] .

وحرف { بلَى } حرف جواب للإِبطال خاصصٍ بجواب الكلام المنفي لإِبطاله .

وجملة { ثم لتنبؤن بما عملتم } ارتقاء في الإِبطال .

و { ثم } للتراخي الرتبي فإن إنباءهم بما عملوا أهم من إثبات البعث إذ هو العلة للبعث .

والإِنباء : الإِخبار ، وإنباؤهم بما عملوا كناية عن محاسبتهم عليه وجزائهم عما عملوه ، فإن الجزاء يستلزم علم المجازَى بعمله الذي جوزي عليه فكانَ حصول الجزاء بمنزلة إخباره بما عمله كقوله تعالى : { إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا } [ لقمان : 23 ] .

وهذا وعيد وتهديد بجزاء سَيّىءٍ لأن المقام دليل على أن عملهم سَيىء وهو تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وإنكار ما دعاهم إليه .

وجملة { وذلك على الله يسير } تذييل ، والواو اعتراضية .

واسم الإِشارة : إما عائد إلى البعث المفهوم من { لتبعثن } مثل قوله : { اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] أي العدل أقرب للتقوى ، وإما عائد إلى معنى المذكور من مجموع { لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم } .

وأخبر عنه ب { يسير } دون أن يقال : وَاقِع كما قال : { وإن الدين لواقع } [ الذاريات : 6 ] ، لأن الكلام لردّ إحالتهم البعث بعلة أن أجزاء الجسد تفرقت فيتعذر جمعها فذكِّروا بأن العسير في متعارف الناس لا يعسر على الله وقد قال في الآية الأخرى { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } [ الروم : 27 ] .


[425]:- رواه أبو داود عن حذيفة بن اليمان بسند فيه انقطاع.