تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (10)

{ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ } لطلب المكاسب والتجارات ولما كان الاشتغال في التجارة ، مظنة الغفلة عن ذكر الله ، أمر الله بالإكثار من ذكره ، فقال : { وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا } أي في حال قيامكم وقعودكم وعلى جنوبكم ، { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فإن الإكثار من ذكر الله أكبر أسباب الفلاح .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (10)

فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الإرض ، وابتغوا من فضل الله ، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون . . وهذا هو التوازن الذي يتسم به المنهج الإسلامي . التوازن بين مقتضيات الحياة في الأرض ، من عمل وكد ونشاط وكسب . وبين عزلة الروح فترة عن هذا الجو وانقطاع القلب وتجرده للذكر . وهي ضرورة لحياة القلب لايصلح بدونها للاتصال والتلقي والنهوض بتكاليف الأمانة الكبرى . وذكر الله لا بد منه في أثناء ابتغاء المعاش ، والشعور بالله فيه هو الذي يحول نشاط المعاش إلى عبادة . ولكنه - مع هذا - لابد من فترة للذكر الخالص ، والانقطاع الكامل ، والتجرد الممحض . كما توحي هاتان الآيتان .

وكان عراك بن مالك - رضي الله عنه - إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : " اللهم إني أجبت دعوتك ، وصليت فريضتك ، وانتشرت كما أمرتني . فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين " . . [ رواه ابن أبي حاتم ] . . وهذه الصورة تمثل لنا كيف كان يأخذ الأمر جدا ، في بساطة تامة ، فهو أمر للتنفيذ فور سماعه بحرفيته وبحقيقته كذلك !

ولعل هذا الإدراك الجاد الصريح البسيط هو الذي ارتقى بتلك المجموعة إلى مستواها الذي بلغت إليه ، مع كل ما كان فيها من جواذب الجاهلية . مما تصوره الآية الأخيرة في السورة :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (10)

وقوله : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ } أي : فُرغ منها ، { فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } لَمَّا حَجَر عليهم في التصرف بعد النداء وأمرهم بالاجتماع ، أذن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله . كما كان عرَاك بن مالك رضي الله عنه إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد ، فقال : اللهم إني أجبتُ دعوتَك ، وصليتُ فريضتك ، وانتشرت كما أمرتني ، فارزقني من فضلك ، وأنت خير الرازقين . رواه ابن أبي حاتم .

وروي{[28857]} عن بعض السلف أنه قال : من باع واشترى في يوم الجمعة بعد الصلاة ، بارك الله له سبعين مرة ، لقول الله تعالى : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ }

وقوله : { وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي : حال بيعكم وشرائكم ، وأخذكم وعَطَائكم ، اذكروا الله ذكرا كثيرا ، ولا تشغلكم الدنيا عن الذي ينفعكم في الدار الآخرة ؛ ولهذا جاء في الحديث : " من دخل سوقا من الأسواق فقال : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير كُتبت{[28858]} له ألفُ ألف حَسنة ، ومُحي عنه ألفُ ألف سَيئة " {[28859]}

وقال مجاهد : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا ، حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا .


[28857]:- (1) في م: "وروى أيضا".
[28858]:- (2) في أ: "كتب الله".
[28859]:- (3) جاء من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رواه الإمام أحمد في المسند (1/47) والترمذي في السنن برقم (8243) وابن ماجة في السنن برقم (2235) وقال الترمذي: "هذا حديث غريب".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (10)

فإذا قضيت الصلاة أديت وفرغ منها فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله إطلاق لما حظر عليهم واحتج به من جعل الأمر بعد الحظر للإباحة وفي الحديث ابتغوا من فضل الله ليس بطلب الدنيا وإنما هو عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله واذكروا الله كثيرا واذكروه في مجامع أحوالكم ولا تخصوا ذكره بالصلاة لعلكم تفلحون بخير الدارين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (10)

وقوله : { فانتشروا } أجمع الناس على أن مقتضى هذا الأمر الإباحة ، وكذلك قوله تعالى : { وابتغوا من فضل الله } أنه الإباحة في طلب المعاش ، وأن ذلك مثل قوله تعالى :

{ وإذا حللتم فاصطادوا }{[11097]} [ المائدة : 2 ] إلا ما روي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ذلك الفضل المبتغى هو عيادة مريض أو صلة صديق أو اتباع جنازة »{[11098]} .

قال القاضي أبو محمد : وفي هذا ينبغي أن يكون المرء بقية يوم الجمعة{[11099]} ، ويكون نحوه صبيحة يوم السبت ، قاله جعفر بن محمد الصادق ، وقال مكحول : الفضل المبتغي العلم ، فينبغي أن يطلب إثر الجمعة .


[11097]:من الآية (2) من سورة (المائدة).
[11098]:أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره عن أنس رضي الله عنه.
[11099]:يعني: ينبغي أن يكون في عيادة المريض أو صلة الصديق أو اتباع الجنازة أو ما شابه ذلك من الفضل.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (10)

وإنما أعقب بقوله تعالى : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } تنبيهاً على أن لهم سعة من النهار يجعلونها للبيع ونحوه من ابتغاء أسباب المعاش فلا يأخذوا ذلك من وقت الصلاة ، وذكر الله . والأمر في { فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } للإباحة .

والمراد ب { فضل الله } : اكتساب المال والرزق .

وأما قوله : { واذكروا الله كثيراً } فهو احتراس من الانصباب في أشغال الدنيا انصباباً ينسي ذكر الله ، أو يشغل عن الصلوات فإن الفلاح في الإِقبال على مرضاة الله تعالى .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (10)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فإذا قُضيت صلاة الجمعة يوم الجمعة، فانتشروا في الأرض إن شئتم، ذلك رخصة من الله لكم في ذلك...

وقوله:"وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ":...والتمسوا من فضل الله الذي بيده مفاتيح خزائنه لدنياكم وآخرتكم.

وقوله: "وَاذْكُرُوا الله كَثِيرا لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ "يقول: واذكروا الله بالحمد له، والشكر على ما أنعم به عليكم من التوفيق لأداء فرائضه، لتفلحوا، فتدركوا طلباتكم عند ربكم، وتصلوا إلى الخلد في جناته.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} قال، رحمه الله: خرج هذا في الظاهر مخرج الأمر، ولكن في حكم الإباحة عندنا...

وقوله تعالى: {وابتغوا من فضل الله} يعني التجارة والكسب... وقوله تعالى: {واذكروا الله كثيرا} يحتمل وجهين:

أحدهما: اذكروا الله كثيرا بألسنتكم وقلوبكم.

والثاني: اذكروا الله بالإقبال على الطاعات التي فيها تحقق ذكر الله.

وقوله تعالى: {لعلكم تفلحون} له أوجه:

أحدها: على رجاء الفلاح.

والثاني: أي لكي تفلحوا.

والثالث: على قطع وجوب الفلاح إذا فعل ذلك بما قالوا: إن لعل وعسى من الله واجب...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ثم أطلق لهم ما حظر عليهم بعد قضاء الصلاة من الانتشار وابتغاء الربح، مع التوصية بإكثار الذكر، وأن لا يلهيهم شيء من تجارة ولا غيرها عنه، وأن تكون هممهم في جميع أحوالهم وأوقاتهم موكلة به لا ينفضون عنه، لأنّ فلاحهم فيه وفوزهم منوط به،...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ولما جعل يوم الجمعة يوم شكر وإظهار سرور وتعظيم نعمة احتيج فيه إلى الاجتماع الذي به تقع شهرته فجمعت الجماعات له كالسنة في الأعياد، واحتيج فيه إلى الخطبة تذكيرا بالنعمة وحثا على استدامتها بإقامة ما يعود بآلاء الشكر، ولما كان مدار التعظيم، إنما هو على الصلاة جعلت الصلاة لهذا اليوم وسط النهار ليتم الاجتماع ولم تجز هذه الصلاة إلا في مسجد واحد ليكون أدعى إلى الاجتماع، والله أعلم...

ما الفرق بين ذكر الله أولا وذكر الله ثانيا؟

فنقول: الأول من جملة ما لا يجتمع مع التجارة أصلا إذ المراد منه الخطبة والصلاة كما مر، والثاني من جملة ما يجتمع كما في قوله تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله}...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان السعي في طلب الرزق ملهياً عن الذكر، بين أنه أعظم السعي في المعاش وأن من غفل عنه لم ينجح له مقصد و إن تحايل له بكل الحيل وغير ذلك فقال: {واذكروا الله} أي الذي بيده كل شيء ولا شيء لغيره فإنه لا رخصة في ترك ذكره أصلاً. ولما كان العبد مطلوباً بالعبادة في كل حال فإنه مجبول على النسيان. فمهما فتر عن نفسه استولت عليها الغفلة فمرنت على البطالة فهلكت قال: {كثيراً} أي بحيث لا تغفلوا عنه بقلوبكم أصلاً ولا بألسنتكم حتى عند الدخول إلى الخلاء وعند أول الجماع وعند الإنزال، واستثنى من اللساني و قت التلبس بالقذر كالكون في قضاء الحاجة. ولما كان مراد الإنسان من جميع تصرفاته الفوز بمراداته قال معللاً لهذا الأمر: {لعلكم تفلحون} أي لتكونوا عند الناظر لكم والمطلع عليكم من أمثالكم ممن يجهل العواقب على رجاء من أن تظفروا بجميع مطلوباتكم، فإن الأمور كلها بيد من تكثرون ذكره، وهو عالم بمن يستحق الفلاح فيسعفه به وبمن عمل رياء ونحوه فيخيبه، فإذا امتثلتم أمره كان جديراً بتنويلكم ما تريدون، وإن نسيتموه كنتم جديرين بأن يكلكم إلى أنفسكم فتهلكوا...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض، وابتغوا من فضل الله، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون.. وهذا هو التوازن الذي يتسم به المنهج الإسلامي. التوازن بين مقتضيات الحياة في الأرض، من عمل وكد ونشاط وكسب. وبين عزلة الروح فترة عن هذا الجو وانقطاع القلب وتجرده للذكر. وهي ضرورة لحياة القلب لا يصلح بدونها للاتصال والتلقي والنهوض بتكاليف الأمانة الكبرى. وذكر الله لا بد منه في أثناء ابتغاء المعاش، والشعور بالله فيه هو الذي يحول نشاط المعاش إلى عبادة. ولكنه -مع هذا- لابد من فترة للذكر الخالص، والانقطاع الكامل، والتجرد الممحض. كما توحي هاتان الآيتان.

وكان عراك بن مالك -رضي الله عنه- إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: "اللهم إني أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني. فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين".. [رواه ابن أبي حاتم].. وهذه الصورة تمثل لنا كيف كان يأخذ الأمر جدا، في بساطة تامة، فهو أمر للتنفيذ فور سماعه بحرفيته وبحقيقته كذلك!

ولعل هذا الإدراك الجاد الصريح البسيط هو الذي ارتقى بتلك المجموعة إلى مستواها الذي بلغت إليه، مع كل ما كان فيها من جواذب الجاهلية. مما تصوره الآية الأخيرة في السورة.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وأما قوله: {واذكروا الله كثيراً} فهو احتراس من الانصباب في أشغال الدنيا انصباباً ينسي ذكر الله، أو يشغل عن الصلوات فإن الفلاح في الإِقبال على مرضاة الله تعالى...