تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (9)

{ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } أي : أخبره الله أنه الله المستحق للعبادة وحده لا شريك له كما في الآية الأخرى { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي } { الْعَزِيزُ } الذي قهر جميع الأشياء وأذعنت له كل المخلوقات ، { الْحَكِيمُ } في أمره وخلقه . ومن حكمته أن أرسل عبده موسى بن عمران الذي علم الله منه أنه أهل لرسالته ووحيه وتكليمه . ومن عزته أن تعتمد عليه ولا تستوحش من انفرادك وكثرة أعدائك وجبروتهم ، فإن نواصيهم بيد الله وحركاتهم وسكونهم بتدبيره .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (9)

ومضى موسى - عليه السلام - إلى النار التي آنسها ، ينشد خبرا ، فإذا هو يتلقى النداء الأسمى :

( فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها . وسبحان الله رب العالمين . يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم ) . .

إنه النداء الذي يتجاوب به الكون كله ، وتتصل به العوالم والأفلاك ؛ ويخشع له الوجود كله وترتعش له الضمائر والأرواح . النداء الذي تتصل فيه السماء بالأرض ، وتتلقى الذرة الصغيرة دعوة خالقها الكبير ، ويرتفع فيه الإنسان الفاني الضعيف إلى مقام المناجاة بفضل من الله .

( فلما جاءها نودي ) . . بهذا البناء للمجهول - وهو معلوم - ولكنه التوقير والإجلال والتعظيم للمنادي العظيم .

( نودي أن بورك من في النار ومن حولها ) . .

فمن ذا كان في النار ? ومن ذا كان حولها ? إنها على الأرجح لم تكن نارا من هذه النار التي نوقدها . إنما كانت نارا مصدرها الملأ الأعلى . نارا أوقدتها الأرواح الطاهرة من ملائكة الله للهداية الكبرى . وتراءت كالنار وهذه الأرواح الطاهرة فيها . ومن ثم كان النداء : ( أن بورك من في النار )إيذانا بفيض من البركة العلوية على من في النار من الملائكة ومن حولها . . وفيمن حولها موسى . . وسجل الوجود كله هذه المنحة العليا . ومضت هذه البقعة في سجل الوجود مباركة مقدسة بتجلي ذي الجلال عليها ، وإذنه لها بالبركة الكبرى .

وسجل الوجود كله بقية النداء والنجاء : ( وسبحان الله رب العالمين . يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم ) . .

نزه الله ذاته وأعلن ربوبيته للعالمين ، وكشف لعبده أن الذي يناديه هو الله العزيز الحكيم . وارتفعت البشرية كلها في شخض موسى - عليه السلام - إلى ذلك الأفق الوضيء الكريم . ووجد موسى الخبر عند النار التي آنسها ، ولكنه كان الخبر الهائل العظيم ؛ ووجد القبس الدافىء ، ولكنه كان القبس الذي يهدي إلى الصراط المستقيم .

وكان النداء للاصطفاء ؛ ووراء الاصطفاء التكليف بحمل الرسالة إلى أكبر الطغاة في الأرض فى ذلك الحين . ومن ثم جعل ربه يعده ويجهزه ويقويه :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (9)

وقوله : { يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } أعلمه{[21969]} أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه الله العزيز ، الذي عز كل شيء وقهره وغلبه ، الحكيم في أفعاله وأقواله .


[21969]:- في ف : "اعلم".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (9)

{ يا موسى إنه أنا الله } الهاء للشأن و { أنا الله } جملة مفسرة له ، أو للمتكلم و{ أنا } خبره و { الله } بيان له . { العزيز الحكيم } صفتان لله ممهدتان لما أراد أن يظهره ، يريد أنا القوي القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية الفاعل كل ما أفعله بحكمة وتدبير .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (9)

وباقي الآية إعلام بأنه الله تعالى والضمير في { أنه } للأمر والشأن . قال الطبري : ويسميها أهل الكوفة المجهولة .

وأنسه بصفاته من العزة ، أي لا خوف معي ، والحكمة ، أي لا نقص في أفعالي .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (9)

ضمير { إنه } ضمير الشأن ، وجملة : { أنا الله العزيز الحكيم } خبر عن ضمير الشأن . والمعنى : إعلامه بأن أمراً مهماً يجب علمه وهو أن الله عزيز حكيم ، أي لا يغلبه شيء ، لا يستصعب عليه تكوين .

وتقديم هذا بين يدي ما سيلقى إليه من الأمر لإحداث رِبَاطَة جأْش لموسى ليعلم أنه خلعت عليه النبوءة إذ ألقي إليه الوحي ، ويعلم أنه سيتعرض إلى أذى وتألب عليه ، وذلك كناية عن كونه سيصير رسولاً ، وأن الله يؤيده وينصره على كل قوي ، وليعلمَ أن ما شاهد من النار وما تلقّاه من الوحي وما سيشاهده من قلب العصا حية ليس بعجيب في جانب حكمة الله تعالى ، فتلك ثلاث كنايات ، فلذلك أتبع هذا بقوله : { وألق عصاك } . والمعنى : وقلنا ألق عصاك .

والاهتزاز : الاضطراب ، وهو افتعال من الهَزّ وهو الرفع كأنها تطاوع فعل هازَ يهزُّها . والجانّ : ذَكَر الحيات ، وهو شديد الاهتزاز وجمعه جِنّان ( وأما الجانّ بمعنى واحد الجن فاسم جمعه جنّ ) . والتشبيه في سرعة الاضطراب لأن الحيات خفيفة التحرك ، وأما تشبيه العصا بالثعبان في آية { فإذا هي ثعبان مبين } [ الأعراف : 107 ] فذلك لضخامة الجرم .

والتولي : الرجوع عن السير في طريقه . وفعل ( تولى ) مرادف فعل { ولّى } كما هو ظاهر صنيع « القاموس » وإن كان مقتضى ما في فعل ( تولى ) من زيادة المبنى أن يفيد ( تولى ) زيادة في معنى الفعل . وقد قال تعالى : { ثم تولى إلى الظل } في سورة القصص ( 24 ) .