وهو الفريق الذي لا يستند إلى عقيدة صحيحة تهديه إلى نهج مستقيم . ذلك أن الرخاء يرفع عنهم الأضطرار الذي ألجأهم إلى الله ؛ وينسيهم الشدة التي ردتهم إليه . فيقودهم هذا إلى الكفر بما آتاهم الله من الهدى وما آتاهم من الرحمة ، بدلا من الشكر والاستقامة على الإنابة .
وهنا يعاجل هذا الفريق بالتهديد في أشخاص المشركين الذين كانوا يواجهون الرسالة المحمدية ، فيوجه إليهم الخطاب ، ويحدد أنهم من هذا الفريق الذي يعنيه :
وهو تهديد ملفوف ، هائل مخيف . وإن الإنسان ليخاف من تهديد حاكم أو رئيس فكيف وهذا التهديد من فاطر هذا الكون الهائل ، الذي أنشأه كله بقولة : كن ! ( فتمتعوا فسوف تعلمون ) !
وقوله : { لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ } ، هي لام العاقبة عند بعضهم ، ولام التعليل عند آخرين ، ولكنها تعليل لتقييض الله لهم ذلك .
ثم توعدهم بقوله : { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }{[22856]} ، قال بعضهم : والله لو توعدني حارس دَرْب لخفت منه ، فكيف والمتوعد هاهنا [ هو ]{[22857]} الذي يقول للشيء : كن ، فيكون .
القول في تأويل قوله تعالى : { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } .
يقول تعالى ذكره متوعدا لهؤلاء المشركين الذين أخبر عنهم أنه إذا كشف الضرّ عنهم كفروا به ، ليكفروا بما أعطيناهم ، يقول : إذا هم بربهم يشركون ، كي يكفروا : أي يجحدوا النعمة التي أنعمتها عليهم بكشفي عنهم الضرّ الذي كانوا فيه ، وإبدالي ذلك لهم بالرخاء والخصب والعافية ، وذلك الرخاء والسعة هو الذي آتاهم تعالى ذكره ، الذي قال : بما آتيناهم . وقوله فَتَمَتّعُوا يقول : فتمتعوا أيها القوم بالذي آتيناكم من الرخاء والسعة في هذه الدنيا فَسَوْف تَعْلَمُونَ إذا وردتم على ربكم ما تلقون من عذابه ، وعظيم عقابه على كفركم به في الدنيا . وقد قرأ بعضهم : «فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ » بالياء ، بمعنى : ليكفروا بما آتيناهم ، فقد تمتعوا على وجه الخبر ، فسوف يعلمون .
واللام في قوله { لِيَكْفروا } لام التعليل وهي مستعارة لمعنى التسبب الذي حقه أن يفاد بالفاء لأنهم لما أشركوا لم يريدوا بشركهم أن يجعلوه علة للكفر بالنعمة ولكنهم أشركوا محبة للشرك فكان الشرك مفضياً إلى كفرهم نعمة الله خشية الإفضاء والتسبب بالعلة الغائية على نحو قوله تعالى : { فالتقطه ءال فرعون ليكون لهم عدوّاً وحَزَناً } [ القصص : 8 ] .
وضمير { ليكفروا } عائد إلى الفريق باعتبار معناه .
والإيتاء : إعطاء النافع ، أي بما أنعمنا عليهم من النعم التي هي نعمة الإيجاد والرزق وكشف الضر عنهم . ثم التفت عن الغيبة إلى الخطاب بقوله { فتمتعوا } توبيخاً لهم وإنذاراً ، وجيء بفاء التفريع في قوله { فتمتعوا } لأن الإنذار والتوبيخ مفرعان عن الكلام السابق . والأمر في ( تمتعوا ) مستعمل في التهديد والتوبيخ . والتمتع : الانتفاع بالملائم وبالنعمة مدة تنقضي .
والفاء في { فسوف تعلمون } تفريع للإنذار على التوبيخ ، وهو رشيق . و ( سوف تعلمون ) إنذار بأنهم يعلمون في المستقبل شيئاً عظيماً ، والعلم كناية عن حصول الأمر الذي يُعلم ، أي عن حلول مصائب بهم لا يعلمون كنهها الآن ، وهو إيماء إلى عظمتها وأنها غير مترقبة لهم . وهذا إشارة إلى ما سيصابون به يوم بدر من الاستئصال والخزي وهم كانوا يستعجلون بعذاب من جنس ما عذب به الأمم الماضية مثل عاد وثمود ، وكانت الغاية واحدة ، فإن إصابتهم بعذاب سيوف المسلمين أبلغ في كون استئصالهم بأيدي المؤمنين مباشرة ، وأظهر في إنجاء المؤمنين من عذاب لا يصيب الذين ظلموا خاصة وذلك هو المراد في قوله تعالى { إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } [ الدخان : 15 ، 16 ] . والبطشة الكبرى : بطشة يوم بدر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.