ومع هذا فلا ينبغي أن يتمادى بهم الرجاء إلى حال الأمن والإدلال ، فنبئهم { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ } أي : لا عذاب في الحقيقة إلا عذاب الله الذي لا يقادر قدره ولا يبلغ كنهه نعوذ به من عذابه ، فإنهم إذا عرفوا أنه { لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد } حذروا وأبعدوا عن كل سبب يوجب لهم العقاب ، فالعبد ينبغي أن يكون قلبه دائما بين الخوف والرجاء ، والرغبة والرهبة ، فإذا نظر إلى رحمة ربه ومغفرته وجوده وإحسانه ، أحدث له ذلك الرجاء والرغبة ، وإذا نظر إلى ذنوبه وتقصيره في حقوق ربه ، أحدث له الخوف والرهبة والإقلاع عنها .
وقوله : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ } أي : أخبر يا محمد عبادي أني ذو رحمة وذو عقاب أليم .
وقد تقدم ذكر نظير هذه الآية الكريمة ، وهي دالة على مقامي الرجاء والخوف ، وذكر في سبب نزولها ما رواه موسى بن عبيدة عن مصعب بن ثابت قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناس من أصحابه يضحكون ، فقال : " اذكروا الجنة ، واذكروا النار " . فنزلت : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ } رواه ابن أبي حاتم . وهو مرسل{[16190]}
وقال ابن جرير ، حدثني المثنى ، حدثنا إسحاق ، أخبرنا ابن المكي ، أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا مصعب بن ثابت ، حدثنا عاصم بن عبيد الله ، عن ابن أبي رباح ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ، فقال : " ألا أراكم تضحكون ؟ " ثم أدبر ، حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقرى ، فقال : " إني لما خرجت جاء جبريل ، عليه السلام ، فقال : يا محمد ، إن الله يقول{[16191]} لم تقنط{[16192]} عبادي ؟ { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ }{[16193]}
وقال سعيد ، عن قتادة في قوله تعالى : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع من حرام ، ولو يعلم قدر عقابه لبخع نفسه " {[16194]}
وقوله : نَبّىءْ عِبادِي أنّي أنا الغَفُورُ الرّحِيمُ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أخبر عبادي يا محمد ، أني أنا الذي أستر على ذنوبهم إذا تابوا منها وأنابوا ، بترك فضيحتهم بها وعقوبتهم عليها ، الرحيم بهم أن أعذّبهم بعد توبتهم منها عليها . وأنّ عَذابِي هُو العَذَابُ الأليمُ يقول : وأخبرهم أيضا أن عذابي لمن أصرّ على معاصيّ وأقام عليها ولم يتب منها ، هو العذاب الموجع الذي لا يشبهه عذاب . وهذا من الله تحذير لخلقه التقدم على معاصيه ، وأمر منه لهم بالإنابة والتوبة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : نَبّىءْ عِبادِي أنّي أنا الغَفُورُ الرّحِيمُ وأنّ عَذَابِي هُو العَذَابُ الألِيمُ قال : بلغنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : «لوْ يَعلمُ العبدُ قَدْر عَفْوِ اللّهِ ما تورّعَ من حرام ، وَلَو يَعلم قَدْر عَذابِهِ لَبخَع نفسَه » .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : أخبرنا ابن المكيّ ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا مصعب بن ثابت ، قال : حدثنا عاصم بن عبد الله ، عن ابن أبي رباح ، عن رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : طَلَع عَلْيَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ، فقال : «ألا أرَاكُمْ تَضْحَكُونَ ؟ » ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع رجع إلينا القهقري ، فقال : «إنّي لمّا خَرَجْتُ جاءَ جَبْرَئِيلُ صلى الله عليه وسلم فَقالَ : يا مُحَمّد إنّ اللّهَ يَقُولُ : لِمَ تُقَنّطُ عِبادِي ؟ نَبّىءْ عِبادِي أنّي أنا الغَفُورُ الرّحِيمُ وأنّ عَذَابِي هُو العَذَابُ الألِيمُ » .
و { نبىء } معناه أعلم ، و { عبادي } مفعول ب { نبىء } ، وهي تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل ، ف { عبادي } مفعول و «أن » تسد مسد المفعولين الباقيين واتصف ذلك وهي وما عملت فيه بمنزلة اسم واحد ، ألا ترى أنك إذا قلت أعجبني أن زيداً منطلق إنما المعنى أعجبني انطلاق زيد لأن دخولها إنما هو على جملة ابتداء وخبر فسدت لذلك مسد المفعولين .
قال القاضي أبو محمد : وقد تتعدى { نبىء } إلى مفعولين فقط ومنه قوله تعالى { من أنبأك هذا }{[7183]} [ التحريم : 3 ] ، وتكون في هذا الموضع بمعنى أخبر وعرف ، وفي هذا كله نظر ، وهذه آية ترجية وتخويف ، وروي في هذا المعنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «لو يعلم العبد قدر عفو الله لنا تورع من حرام ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه »{[7184]} وروي في هذه الآية أن سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى جماعة من أصحابه عند باب بني شيبة في الحرم ، فوجدهم يضحكون ، فزجرهم ووعظهم ثم ولى فجاءه جبريل عن الله ، فقال : يا محمد أتقنط عبادي ؟ وتلا عليه الآية ، فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وأعلمهم{[7185]} .
قال القاضي أبو محمد : ولو لم يكن هذا السبب لكان ما قبلها يقتضيها ، إذ تقدم ذكر ما في النار وذكر ما في الجنة فأكد تعالى تنبيه الناس بهذه الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.