التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلۡعَذَابُ ٱلۡأَلِيمُ} (50)

والخطاب في قوله - تعالى - : { نبئ عبادى . . } للرسول صلى الله عليه وسلم والنبأ : الخبر العظيم . والمراد { بعبادى } : المؤمنون منهم ، والإِضافة للتشريف .

أى : أخبر - أيها الرسول الكريم - عبادى المؤمنين أنى أنا الله - تعالى - الكثير المغفرة لذنوبهم ، الواسع الرحمة لمسيئهم ، وأخبرهم - أيضًا - أن عذابى هو العذاب الشديد الإِيلام ، فعليهم أن يقدموا القول الطيب ، والعمل الصالح ، لكى يظفروا بمغفرتى ورحمتى ، وينجو من عذابى ونقمتى .

فأنت ترى أن الله - تعالى - قد جمع في هاتين الآيتين بين المغفرة والعذاب ، وبين الرحمة والانتقام ، وبين الوعد والوعيد ، لبيان سنته - سبحانه - في خلقه ، ولكى يعيش المؤمن حياته بين الخوف والرجاء ، فلا يقنط من رحمة الله ، ولا يقصر في أداء ما كلفه - سبحانه - به .

وقدم - سبحانه - نبأ الغفران والرحمة ، على نبأ العذاب والانتقام ، جريا على الأصل الذي ارتضته مشيئته ، وهو أن رحمته سبقت غضبه ، ومغفرته سبقت انتقامه .

والضمير " أنا " و " هو " في الآيتين الكريمتين ، للفصل ؛ لإِفادة تأكيد الخبر .

قال الإِمام الرازى ما ملخصه : وفى الآيتين لطائف :

إحداها : أنه أضاف - سبحانه - العباد إلى نفسه بقوله { عبادى } وهذا تشريف عظيم لهم . . .

وثانيها . أنه لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيد بألفاظ ثلاثة : أولها : قوله { أنى } وثانيها قوله { أنا } ، وثالثها . إدخال حرف الألف واللام على قوله { الغفور الرحيم } ، ولما ذكر العذاب لم يقل : إنى أنا المعذب ، بل قال { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العذاب الأليم } .

وثالثها : أنه أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ إليهم هذا المعنى ، فكأنه أشهده على نفسه في التزام المغفرة والرحمة .

ورابعها : أنه لما قال { نبئ عبادى } كان معناه نبئ كل من كان معترفًا بعبوديتى ، وهذا كما يدخل فيه المؤمن المطيع . فكذلك يدخل فيه المؤمن العاصى ، وكل ذلك يدل على تغليب جانب الرحمة من الله - تعالى - .

وقال الآلوسى : وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله - تعالى - خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ، فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة ، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر كل الذي عنده من رحمة لم ييأس من الرحمة ، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله - تعالى - من العذاب ، لم يأمن من النار " .

وأخرج عبد بن حميد وجماعة عن قتادة أنه قال في الآية : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو يعلم قدر عفو الله - تعالى - لما تورع من حرام ، ولو يعلم العبد قدر عذابه لبخع نفسه " .