اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلۡعَذَابُ ٱلۡأَلِيمُ} (50)

قوله تعالى : { نَبِّئ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم } أثبت الهمزة الساكنة في " نَبِّئ " صورة ، وما أثبت في قوله : " دِفْءٌ " ؛ لأنَّ ما قبلها ساكنٌ ، فهي تحذف كثيراً ، وتلقى حركتها على الساكن قبلها ف " نَبِّئ " في الخط على تحقيق الهمزة ، وليس قبل همزة " نَبِّئ " ساكن ؛ فأخَّروها على قياس الأصل .

وقوله : " أنَا الغَفورُ " يجوز في " أنَا " أن يكون تأكيداً ، أن يكون فصلاً .

وقوله : { هُوَ العذاب } يجوز في " هُوَ " الابتداء ، والفصل ، ولا يجوز التوكيد ؛ إذ المظهر لا يؤكَّد بالمضمر .

فصل

ثبت في أصول الفقه أنَّ ترتيب الحكم على الوصف المناسب يشعر بغلبةِ ذلك الوصف ، فهاهنا وصفهم بكونهم عباده ، ثم ذكر عقب هذا الوصف الحكم بكونه غفوراً رحيماً ، وهذا يدلُّ على أنَّ كلَّ من اعترف بالعبودية ، كان في حقِّه غفوراً رحيماً ، ومن أنكر ذلك ، كان مستوجباً للعذاب الأليم .

وفي الآية لطائف : أولها : أنه أضاف العباد إلى نفسه بقوله : " عِبَادي " وهذا تشريفٌ عظيمٌ ، ويدل عليه قوله : { سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ } [ الإسراء : 1 ] .

وثانيها : أنه لما ذكر المغفرة ، والرحمة بالغ في التَّأكيدات بألفاظٍ ثلاثة :

أولها : قوله : " أنِّي " .

وثانيها : " أنَا " .

وثالثها : إدخال الألف واللام على قوله : " الغَفُور الرَّحيمُ " ، ولما ذكر العذاب ، لم يقل : إني أنا المعذب ولَمْ يَصفْ نفسهُ بِذلكَ ، بل قال عزَّ وجلَّ : { وأن عَذَابِي هُوَ العذاب الأليم }{[19552]} .

وثالثها : أنه –تعالى- أمر رسوله -صلوات الله وسلامه عليه- أن يبلغ إليهم هذا المعنى ، فكأنه أشهد رسوله على نفسه بالتزام المغفرة ، والرحمة .

ورابعها : أنه –تعالى- لمَّا قال : { نَبِّئ عِبَادِي } كان معناه : كلّ من اعترف بعبوديَّتي ، وهذا يشمل المؤمن ، والعاصي ، وكذلك يدل على تغليب جانب الرحمة من الله –تعالى- .

قال قتادة : بلغنا أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال : " لَو يَعْلمُ العَبدُ قَدْرَ عَفْوِ الله لمَا تورَّع عن حرامٍ ، ولوْ عَلِمَ قدر عِقابِهِ لبَخَعَ نَفْسَهُ " أي : قتلها{[19553]} .

وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه مرَّ بِنفَرٍ من أصحابه ، وهم يضحكُون ، فقال : أتَْضحَكُون وبيْنَ أيديكمُ النَّارُ " فنزَل جِبريلُ -صلوات الله وسلامه عليه- بِهذِهِ الآية ، وقال : " يقول لك يا محمَّد : لِمَ تقنط عِبادِي " {[19554]} .

وقال بان عبَّاسِ -رضي الله عنهما- : معنى : { أَنَا الغفور الرحيم } لمن تاب منهم{[19555]} .


[19552]:سقط من: ب.
[19553]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/522) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/190) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. وذكره البغوي في "تفسيره" (3/52).
[19554]:ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/49) وقال: رواه الطبراني وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/190) وعزاه إلى البزار والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير.
[19555]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/52).