السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلۡعَذَابُ ٱلۡأَلِيمُ} (50)

{ وأنّ عذابي } أي : وحدي للعصاة { هو العذاب الأليم } أي : المؤلم .

تنبيه : في هذه الآية لطائف : الأولى أنه سبحانه وتعالى أضاف العباد إلى نفسه وهذا تشريف عظيم ألا ترى أنه قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً } [ الإسراء ، 1 ] . الثانية : أنه تعالى لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيدات بألفاظ ثلاث أوّلها : قوله تعالى : { أني } . ثانيها : قوله : { أنا } . ثالثها : إدخال حرف الألف واللام على قوله تعالى : { الغفور الرحيم } . ولما ذكر العذاب لم يقل أني أنا المعذب ، وما وصف نفسه بذلك ، بل قال : { وأن عذابي هو العذاب الأليم } . الثالثة : أنه أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ إليهم هذا المعنى فكأنه أشهد رسوله على نفسه في التزام المغفرة والرحمة . والرابعة : أنه لما قال : { نبئ عبادي } كان معناه نبئ كل من كان معترفاً بعبوديتي وهذا كما يدخل فيه المؤمن المطيع كذلك يدخل فيه المؤمن العاصي وكل ذلك يدل على تغليب جانب الرحمة من الله تعالى . وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إنّ الله خلق الرحمة يوم خلقها مئة رحمة فأمسك منها عنده تسعة وتسعين ، وأرسل في خلقه رحمة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة . ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار » . وعن عبادة رضي الله تعالى عنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لو يعلم العبد قدر عفو الله ما تورع من حرام ، ولو يعلم قدر عذابه لجمع نفسه إلى قتلها » . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه مرّ بنفر من أصحابه وهم يضحكون فقال : " أتضحكون وقد ذكر الجنة والنار بين أيديكم فنزل { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم } " .