البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلۡعَذَابُ ٱلۡأَلِيمُ} (50)

وتقديماً لهذين الوصفين العظيمين اللذين وصف بهما نفسه وجاء قوله : وأن عذابي ، في غاية اللطف إذ لم يقل على وجه المقابلة . وأني المعذب المؤلم ، كل ذلك ترجيح لجهة العفو والرحمة . وسدت أنّ مسد مفعولي نبىء إن قلنا إنها تعدت إلى ثلاثة ، ومسد واحد إن قلنا : تعدّت إلى اثنين . وعن ابن عباس : غفور لمن تاب ، وعذابه لمن لم يتب . وفي قوله : نبىء الآية ، ترجيح جهة الخير من جهة أمره تعالى رسوله بهذا التبليغ ، فكأنه إشهاد على نفسه بالتزام المغفرة والرحمة . وكونه أضاف العباد إليه فهو تشريف لهم ، وتأكيد اسم أنّ بقوله : أنا . وإدخال أل على هاتين الصفتين وكونهما جاءتا بصيغة المبالغة والبداءة بالصفة السارة أولاً وهي الغفران ، وإتباعها بالصفة التي نشأ عنها الغفران وهي الرحمة . وروي في الحديث : لو يعلم العبد قدر عفو الله ما تورع عن حرام ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه وفي الحديث عن ابن المبارك بإسناده أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلع من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ونحن نضحك فقال : ألا أراكم تضحكون ثم أدبر حتى إذا كان عناء الحجر ، رجع إلينا القهقرى فقال : جاء جبريل عليه السلام فقال يقول الله لم تقنط عبادي نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم .