تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابٗا} (36)

وإنما أعطاهم الله هذا الثواب الجزيل [ من فضله وإحسانه ] . { جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ } لهم { عَطَاءً حِسَابًا } أي : بسبب أعمالهم التي وفقهم الله لها ، وجعلها ثمنا لجنته ونعيمها{[1344]} .


[1344]:- في ب: وجعلها سببا للوصول إلى كرامته.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابٗا} (36)

( جزاء من ربك عطاء حسابا ) . . ونلمح هنا ظاهرة الأناقة في التعبير والموسيقى في التقسيم بين( جزاء )و( عطاء ) . . كما نلمحها في الإيقاع المشدود في الفواصل كلها على وجه التقريب . . وهي الظاهرة الواضحة في الجزء كله إجمالا .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابٗا} (36)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني بقوله جلّ ثناؤه:"جَزَاءً مِنْ رَبكَ عَطاءً "أعطى الله هؤلاء المتقين ما وصف في هذه الآيات ثوابا من ربك بأعمالهم، على طاعتهم إياه في الدنيا. وقوله: "عَطاءً" يقول: تفضلاً من الله عليهم بذلك الجزاء...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قوله: {جزاء} أي جزاء جزاهم، وأعطاهم {عطاء}، و {حسابا} حاسبهم. وقال الحسن: {جزاء} بأعمالهم أي زادهم على القدر الذي استوجبوا، قال بعضهم: أعطاهم عطاء كثيرا حتى قال واحد منهم: حسبي حسبي. والذي يؤيد هذا التأويل ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ {جزاء من ربك عطاء} حسنا. قال بعضهم: {جزاء} بأعمالهم التي كتب الحفظة، وأحصاها عليهم، وأعطى عطاء حسابا أي كثيرا لما أخفوا من أعمالهم... فأعطاهم عطاء بيّنا ظاهرا، يعرفه الناس...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

...

...

...

...

...

...

...

...

المسألة الثانية: في الآية سؤال وهو أنه تعالى جعل الشيء الواحد جزاء وعطاء، وذلك محال لأن كونه جزاء يستدعي ثبوت الاستحقاق، وكونه عطاء يستدعي عدم الاستحقاق والجمع بينهما متناف.

والجواب عنه: لا يصح إلا على قولنا: وهو أن ذلك الاستحقاق إنما ثبت بحكم الوعد، لا من حيث إن الفعل يوجب الثواب على الله، فذلك الثواب نظرا إلى الوعد المترتب على ذلك الفعل يكون جزاء، ونظرا إلى أنه لا يجب على الله لأحد شيء يكون عطاء.

المسألة الثالثة: قوله: {حسابا} فيه وجوه؛

(الأول): أن يكون بمعنى كافيا مأخوذ من قولهم: أعطاني ما أحسبني أي ما كفاني، ومنه قوله: حسبي من سؤالي علمه بحالي، أي كفاني من سؤالي...

.

والوجه الثاني: أن قوله: حسابا مأخوذ من حسبت الشيء إذا أعددته وقدرته فقوله: {عطاء حسابا} أي بقدر ما وجب له فيما وعده من الإضعاف، لأنه تعالى قدر الجزاء على ثلاثة أوجه، وجه منها على عشرة أضعاف، ووجه على سبعمائة ضعف، ووجه على ما لا نهاية له، كما قال: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}.

الوجه الثالث: وهو قول ابن قتيبة: {عطاء حسابا} أي كثيرا، وأحسبت فلانا أي أكثرت له...

الوجه الرابع: أنه سبحانه يوصل الثواب الذي هو الجزاء إليهم ويوصل التفضل الذي يكون زائدا على الجزء إليهم، ثم قال: {حسابا} ثم يتميز الجزاء عن العطاء حال الحساب.

الوجه الخامس: أنه تعالى لما ذكر في وعيد أهل النار: {جزاء وفاقا} ذكر في وعد أهل الجنة جزاء عطاء حسابا أي راعيت في ثواب أعمالكم الحساب، لئلا يقع في ثواب أعمالكم بخس ونقصان وتقصير، والله أعلم بمراده...

واعلم أنه تعالى لما بالغ في وصف وعيد الكفار ووعد المتقين، ختم الكلام في ذلك بقوله: {رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا}.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والجزاء: إعطاء شيء عوضاً على عمل. ويجوز أن يجعل الجزاء على أصل معناه المصدري وينتصب على المفعول المطلق الآتي بدلاً من فعللٍ مقدر. والتقدير: جزيْنا المتقين.

وإضافة ربّ إلى ضمير المخاطب مراداً به النبي صلى الله عليه وسلم للإِيماء إلى أن جزاء المتقين بذلك يشتمل على إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لأن إسداء هذه النعم إلى المتقين كان لأجل إيمانهم به وعملهم بما هداهم إليه.

و {من} ابتدائية، أي صادراً من لدن الله، وذلك تنويه بكرم هذا الجزاء وعظم شأنه.

ووصفُ الجزاء بعطاء وهو اسم لم يُعطَى، أي يتفضل به بدون عوض للإِشارة إلى أن ما جوزوا به أوفرُ مما عملوه، فكان ما ذكر للمتقين من المفاز وما فيه جزاء شكراً لهم وعطاءً كرماً من الله تعالى وكرامة لهذه الأمة إذ جعل ثوابها أضعافاً.

و {حساباً}: اسم مصدر حَسب بفتح السين يحسُب بضمها، إذا عَدَّ أشياء وجميع ما تصرف من مادة حسب متفرع عن معنى العدّ وتقديرِ المقدار، فوقع {حساباً} صفة {جزاء}، أي هو جزاء كثير مقدَّر على أعمالهم.

والتنوين فيه للتكثير، والوصف باسم المصدر للمبالغة وهو بمعنى المفعول، أي محسوباً مقدراً بحسب أعمالهم، وهذا مقابل ما وقع في جزاء الطاغين من قوله {جزاء وفاقاً} [النبأ: 26].

وهذا الحساب مجمل هنا يبينه قوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] وقوله: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللَّه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} البقرة (261).

وليس هذا الحساب للاحتراز عن تجاوز الحد المعيَّن، فذلك استعمال آخر كما في قوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10] ولكل آية مقامها الذي يجري عليه استعمال كلماتها فَلا تعارض بين الآيتين.

ويجوز أن يكون {حساباً} اسم مصدر أحْسَبَه، إذا أعطاه ما كفاه، فهو بمعنى إحساباً، فإن الكفاية يطلق عليها حَسْب بسكون السين فإنه إذا أعطاه ما كفاه قال: حسبي.