{ 1 - 5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ }
أي : إذا انشقت السماء وانفطرت ، وانتثرت نجومها ، وزال جمالها ، وفجرت البحار فصارت بحرا واحدا ، وبعثرت القبور بأن أخرجت ما فيها من الأموات ، وحشروا للموقف بين يدي الله للجزاء على الأعمال . فحينئذ ينكشف الغطاء ، ويزول ما كان خفيا ، وتعلم كل نفس ما معها من الأرباح والخسران ، هنالك يعض الظالم على يديه إذا رأى أعماله باطلة ، وميزانه قد خف ، والمظالم قد تداعت إليه ، والسيئات قد حضرت لديه ، وأيقن بالشقاء الأبدي والعذاب السرمدي .
و [ هنالك ] يفوز المتقون المقدمون لصالح الأعمال بالفوز العظيم ، والنعيم المقيم والسلامة من عذاب الجحيم .
يؤيد هذا ويتناسق معه قوله بعد عرض هذه المشاهد والأحداث : ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) . . أي ما فعلته أولا وما فعلته أخيرا . أو ما فعلته في الدنيا ، وما تركته وراءها من آثار فعلها . أو ما استمتعت به في الدنيا وحدها ، وما ادخرته للآخرة بعدها .
على أية حال سيكون علم كل نفس بهذا مصاحبا لتلك الأهوال العظام . وواحدا منها مروعا لها كترويع هذه المشاهد والأحداث كلها !
والتعبير القرآني الفريد يقول : ( علمت نفس ) . . وهو يفيد من جهة المعنى : كل نفس . ولكنه أرشق وأوقع . . كما أن الأمر لا يقف عند حدود علمها بما قدمت وأخرت . فلهذا العلم وقعه العنيف الذي يشبه عنف تلك المشاهد الكونية المتقلبة . والتعبير يلقي هذا الظل دون أن يذكره نصا . فإذا هو أرشق كذلك وأوقع !
وقوله : عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدّمَتْ وأخّرَتْ يقول تعالى ذكره : علمت كلّ نفس ما قدّمت لذلك اليوم من عمل صالح ينفعه ، وأخرت وراءه من شيء سنّه فعمل به .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم بنحو الذي قلنا في ذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : ثني عن القُرَظِيّ ، أنه قال في : عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدّمَتْ وَأخّرَتْ قال : ما قدّمت مما عملت ، وأما ما أخّرت فالسنة يَسُنّها الرجل ، يعمل بها من بعده .
وقال آخرون : عُنِي بذلك : ما قدّمت من الفرائض التي أدتها ، وما أخرّت من الفرائض التي ضيعتها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبيه ، عن سعيد بن مسروق ، عن عكرِمة عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدّمَتْ قال : ما افترض عليها وَما أخّرَتْ قال : مما افترض عليها .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدّمَتْ وَأخّرَتْ قال : تعلم ما قدّمت من طاعة الله ، وما أخرت مما أُمِرَت به من حقّ لله عليه لم تعمل به .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : عَلمَتْ نَفْسٌ ما قَدّمَتْ وأخّرَتْ قال : ما قدّمت من خير ، وأخّرت من حق الله عليها لم تعمل به .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، ما قَدّمَتْ وأخّرَتْ قال : ما قدمت من طاعة الله وما أخرت من حق الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدّمَتْ وأخّرَتْ قال : ما قدّمت : عملت ، وما أخرت : تركت وضيّعت ، وأخرت من العمل الصالح الذي دعاها الله إليه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ما قدّمت من خير أو شرّ ، وأخّرت من خير أو شرّ . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوّام ، عن إبراهيم التيميّ ، قال : ذكروا عنده هذه الاَية عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدّمَتْ وَأخّرَتْ قال : أنا مما أخّر الحَجاج .
وإنما اخترنا القول الذي ذكرناه ، لأن كلّ ما عمل العبد من خير أو شرّ فهو مما قدّمه ، وأن ما ضيّع من حقّ الله عليه وفرّط فيه فلم يعمله ، فهو مما قد قدّم من شرّ ، وليس ذلك مما أخّر من العمل ، لأن العمل هو ما عمله ، فأما ما لم يعمله فإنما هو سيئة قدّمها ، فلذلك قلنا : ما أخر : هو ما سنه من سنة حسنة وسيئة ، مما إذا عمل به العامل كان له مثل أجر العامل بها أو وزره .
وقوله تعالى : { علمت نفس } هو جواب { إذا } ، و { نفس } هنا اسم الجنس وإفرادها لتبين لذهن السامع حقارتها وقلتها وضعفها عن منفعة ذاتها إلا من رحم الله تعالى ، وقال كثير من المفسرين في معنى قوله تعالى : { ما قدمت وأخرت } إنها عبارة عن جميع الأعمال لأن هذا التقسيم يعم الطاعات المعمولة والمتروكة وكذلك المعاصي . وقال ابن عباس والقرظي محمد بن كعب : { ما قدمت } في حياتها وما { أخرت } مما سنته فعمل به بعد موتها
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.