تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ قَبَضۡنَٰهُ إِلَيۡنَا قَبۡضٗا يَسِيرٗا} (46)

{ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا } فكلما ارتفعت الشمس تقلص الظل شيئا فشيئا ، حتى يذهب بالكلية فتوالي الظل والشمس على الخلق الذي يشاهدونه عيانا وما يترتب على ذلك من اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما وتعاقب الفصول ، وحصول المصالح الكثيرة بسبب ذلك- من أدل دليل على قدرة الله وعظمته وكمال رحمته وعنايته بعباده وأنه وحده المعبود المحمود المحبوب المعظم ، ذو الجلال والإكرام .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ قَبَضۡنَٰهُ إِلَيۡنَا قَبۡضٗا يَسِيرٗا} (46)

45

( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل - ولو شاء لجعله ساكنا - ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ) . .

إن مشهد الظل الوريف اللطيف ليوحي إلى النفس المجهودة المكدودة بالراحة والسكن والأمان . وكأنما هو اليد الآسية الرحيمة تنسم على الروح والبدن ، وتمسح على القرح والألم ، وتهدهد القلب المتعب المكدود . .

أفهذا الذي يريده الله سبحانه وهو يوجه قلب عبده إلى الظل بعدما ناله من استهزاء ولأواء ? وهو يمسح على قلبه المتعب في هذه المعركة الشاقة ، وهو في مكة يواجه الكفر والكبر والمكر والعناد ، في قلة من المؤمنين وكثرة من المشركين ؛ ولم يؤذن له بعد في مقابلة الاعتداء بمثله وفي رد الأذى والتهجم والاستهزاء ? ! إن هذا القرآن الذي كان يتنزل على قلب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كان هو البلسم المريح ، والظل الظليل ، والروح المحيي في هجير الكفر والجحود والعصيان . وإن الظل - وبخاصة في هجير الصحراء المحرق - لهو المشهد الذي يتناسق مع روح السورة كلها وما فيها من أنداء وظلال .

والتعبير يرسم مشهد الظل ويد الله الخفية التدبير تمده في رفق ، وتقبضه في لطف : ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ? ) . . ( ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ) . .

والظل هو ما تلقيه الأجرام من الظلمة الخفيفة حين تحجب أشعة الشمس في النهار . وهو يتحرك مع حركة الأرض في مواجهة الشمس ، فتتغير أوضاعه وامتداداته وأشكاله ؛ والشمس تدل عليه بضوئها وحرارتها ، وتميز مساحته وامتداده وارتداده . ومتابعة خطوات الظل في مده وانقباضه يشيع في النفس نداوة وراحة كما يثير فيها يقظه لطيفة شفيفة ، وهي تتتبع صنع البارى ء اللطيف القدير . . وإن مشهد الظلال والشمس مائلة للمغيب ، وهي تطول وتطول ، وتمتد وتمتد . ثم في لحظة . لحظة واحدة ينظر الإنسان فلا يجدها جميعا . لقد اختفى قرص الشمس وتوارت معه الظلال . أين تراها ذهبت ? لقد قبضتها اليد الخفية التي مدتها . لقد انطوت كلها في الظل الغامر الطامي . ظل الليل والظلام !

إنها يد القدرة القوية اللطيفة . التي يغفل البشر عن تتبع آثارها في الكون من حولهم وهي تعمل دائبة لا يدركها الكلال .

( ولو شاء لجعله ساكنا ) . . فبناء الكون المنظور على هذا النسق ، وتنسيق المجموعة الشمسية هذا التنسيق هو الذي جعل الظل متحركا هذه الحركة اللطيفة . ولو اختلف ذلك النسق أقل اختلاف لاختلفت آثاره في الظل الذي نراه . لو كانت الأرض ثابتة لسكن الظل فوقها لا يمتد ولا يقبض . ولو كانت سرعتها أبطأ أو أسرع مما هي عليه لكان الظل في امتداده وقبضه أبطأ أو أسرع . فتنسيق الكون المنظور على ناموسه هذا هو الذي يسمح بظاهرة الظل ، ويمنحها خواصها التي نراها .

وهذا التوجيه إلى تلك الظاهرة التي نراها كل يوم ، ونمر بها غافلين ، هو طرف من منهج القرآن في استحياء الكون دائما في ضمائرنا ، وفي إحياء شعورنا بالكون من حولنا ، وفي تحريك خوامد إحساسنا التي افقدها طول الألفة إيقاع المشاهد الكونية العجيبة ، وطرف من ربط العقول والقلوب بهذا الكون الهائل العجيب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ قَبَضۡنَٰهُ إِلَيۡنَا قَبۡضٗا يَسِيرٗا} (46)

وقوله : ثُمّ قَبَضْناهُ إلَيْنا قَبْضا يَسِيرا يقول تعالى ذكره : ثم قبضنا ذلك الدليل من الشمس على الظلّ إلينا قبضا خفيا سريعا بالفيء الذي نأتي به بالعشيّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ثُمّ قَبضْناهُ إلَيْنَا قَبْضا يَسِيرا قال : حوى الشمس الظلّ . وقيل : إن الهاء التي في قوله ثُمّ قَبَضْناهُ إلَيْنا عائدة على الظلّ ، وإن معنى الكلام : ثم قبضنا الظلّ إلينا بعد غروب الشمس وذلك أن الشمس إذا غربت غاب الظلّ الممدود ، قالوا : وذلك وقت قبضه .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله يَسِيرا فقال بعضهم : معناه : سريعا . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ثُمّ قَبَضْناهُ إلَيْنا قَبْضا يَسِيرا يقول : سريعا .

وقال آخرون : بل معناه : قبضا خفيا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن مجاهد ثُمّ قَبَضْناهُ إلَيْنا قَبْضا يَسِيرا قال : خفيا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جُرَيج قَبْضا يَسِيرا قال : خفيا ، قال : إن ما بين الشمس والظلّ مثل الخيط ، واليسير الفعيل من اليسر ، وهو السهل الهيّن في كلام العرب . فمعنى الكلام إذ كان ذلك كذلك ، يتوجه لما روي عن ابن عباس ومجاهد ، لأن سهولة قبض ذلك قد تكون بسرعة وخفاء . وقيل إنما قيل ثُمّ قَبَضْناهُ إلَيْنا قبْضا يَسِيرا لأن الظلّ بعد غروب الشمس لا يذهب كله دفعة ، ولا يقبل الظلام كله جملة ، وإنما يقبض ذلك الظلّ قبضا خفيا ، شيئا بعد شيء ويعقب كل جزء منه يقبضه ، جزء من الظلام .