تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوۡ يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةٞ يَأۡكُلُ مِنۡهَاۚ وَقَالَ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا} (8)

{ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ } أي : مال مجموع من غير تعب ، { أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } فيستغني بذلك عن مشيه في الأسواق لطلب الرزق .

{ وَقَالَ الظَّالِمُونَ } حملهم على القول ظلمهم لا اشتباه منهم ، { إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } هذا وقد علموا كمال عقله وحسن حديثه ، وسلامته من جميع المطاعن .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوۡ يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةٞ يَأۡكُلُ مِنۡهَاۚ وَقَالَ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا} (8)

وكان من اعتراضاتهم الساذجة الجاهلة أن هذا الرسول يمشي في الأسواق ليكسب رزقه . فهلا كفاه الله ذلك ، وحباه بالمال الكثير عن غير كد ولا عمل : ( أو يلقى إليه كنز ، أو تكون له جنة يأكل منها ) !

والله لم يرد لرسوله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يكون له كنز ولا أن تكون له جنة . لأنه أراد أن يكون قدوة كاملة لأمته ؛ ينهض بتكاليف رسالته الضخمة الهائلة ، وهو في الوقت ذاته يسعى لرزقه كما يسعى رجل من أمته . فلا يقولن أحد من أمته يكد لعيشه : لقد كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] مكفي الحاجة ، لا يعاني صراع العيش ، ومن ثم فرغ لعقيدته ورسالته وتكاليفه ، فلم يعوقه عائق مما أعاني . . فها هو ذا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعمل ليعيش ، ويعمل لرسالته ، فلا أقل من أن ينهض كل أحد من أمته بنصيبه الصغير من تكاليف هذه الرسالة - وقدوته أمامه - ولقد انهال المال بعد ذلك على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كي تتم التجربة من جانبها الآخر وتتم القدوة . فلم يدع هذا المال يشغله أو يعطله ، فكان كالريح المرسلة في جوده ، حتى يستعلي على فتنة المال ، ويرخص من قيمته في النفوس ؛ وكي لا يقولن أحد بعد ذلك : إنما نهض محمد [ صلى الله عليه وسلم ] برسالته ، لأنه عاش فقيرا لا يشغله من المال شاغل ، فها هو ذا المال يأتيه غزيرا وفيرا ، ولكنه يمضي في دعوته كذلك . شأنه يوم أن كان فقيرا .

وما المال ? وما الكنوز ? وما الجنان ? حين يتصل الإنسان الفاني الضعيف بالله الباقي القوي ? ما هذه الأرض وما فيها ? بل ما هذا الكون المخلوق كله ، بعد الاتصال بالله خالق كل شيء ، وواهب الكثير والقليل ? ولكن القوم ما كانوا يوم ذلك يدركون !

( وقال الظالمون : إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوۡ يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةٞ يَأۡكُلُ مِنۡهَاۚ وَقَالَ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُواْ مَا لِهََذَا الرّسُولِ يَأْكُلُ الطّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَىَ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظّالِمُونَ إِن تَتّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مّسْحُوراً } .

ذُكر أن هاتين الاَيتين نزلتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان مشركو قومه قالوا له ليلة اجتماع أشرافهم بظهر الكعبة ، وعرضوا عليه أشياء ، وسألوه الاَيات .

فكان فيما كلّموه به حينئذٍ ، فيما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني محمد بن أبي محمد ، مولى زيد بن ثابت ، عن سعيد بن جُبير ، أو عكرِمة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : أن قالوا له : فإن لم تفعل لنا هذا يعني ما سألوه من تسيير جبالهم عنهم ، وإحياء آبائهم ، والمجيء بالله والملائكة قبيلاً ، وما ذكره الله في سورة بني إسرائيل فخذ لنفسك ، سلْ ربك يبعثْ معك ملَكا يصدّقك بما تقول ويراجعنا عنك ، وسَلْه فيجعل لك قصورا وجنانا وكنوزا من ذهب وفضة ، تغنيك عما نراك تبتغي ، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه ، حتى نعلم فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما أنا بِفاعِلٍ » فأنزل الله في قولهم : أنْ خُذْ لنفسك ما سألوه أن يأخذ لها : أن يجعل له جنانا وقصورا وكنوزا ، أو يبعث معه ملَكا يصدّقه بما يقول ويردّ عنه من خاصمه . وقالُوا ما لِهَذَا الرّسُولِ يأْكُلُ الطّعامَ ويَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرا أوْ يُلْقَى إلَيْهِ كَنْزٌ أوْ تَكُونُ لَهُ جَنّةٌ يأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظّالِمُونَ إنْ تَتّبِعُونَ إلاّ رَجُلاً مَسْحُورا .

فتأويل الكلام : وقال المشركون ما لِهَذا الرّسُولِ : يَعْنون محمدا صلى الله عليه وسلم ، الذي يزعم أن الله بعثه إلينا ، يَأكُلُ الطعَامَ كما نأكل ، ويَمْشِي في أسواقنا كما نمشي . لَوْلاَ أنْزِلَ إلَيهِ يقول : هلا أنزل إليه ملَك إن كان صادقا من السماء ، فَيَكُونَ مَعَه منذرا للناس ، مصدّقا له على ما يقول ، أو يلقى إليه كنز من فضة أو ذهب فلا يحتاج معه إلى التصرّف في طلب المعاش ، أوْ تكون له جنة يقول : أو يكون له بستان يَأكُلُ مِنْها .

واختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : يَأْكُلُ بالياء ، بمعنى : يأكل منها الرسول . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين : «نَأْكُلُ مِنْها » بالنون ، بمعنى : نأكل من الجنة .

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بالياء وذلك للخبر الذي ذكرنا قبل بأن مسألة من سأل من المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه هذه الخلال لنفسه لا لهم فإذ كانت مسألتهم إياه ذلك كذلك ، فغير جائز أن يقولوا له : سلْ لنفسك ذلك لنأكل نحن .

وبعدُ ، فإن في قوله تعالى ذكره : تَبَارَكَ الّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرا مِنْ ذَلِكَ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ، دليلاً بيّنا على أنهم إنما قالوا له : اطلب ذلك لنفسك ، لتأكل أنت منه ، لا نحن .

وقوله : وَقال الظّالِمُونَ يقول : وقال المشركون للمؤمنين بالله ورسوله : إنْ تَتّبِعُونَ أيّها القوم ، باتباعكم محمدا إِلاّ رَجُلاً به سحر .