تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَهَٰذَا صِرَٰطُ رَبِّكَ مُسۡتَقِيمٗاۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ} (126)

{ 126 ، 127 } { وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

أي : معتدلا ، موصلا إلى الله ، وإلى دار كرامته ، قد بينت أحكامه ، وفصلت شرائعه ، وميز الخير من الشر . ولكن هذا التفصيل والبيان ، ليس لكل أحد ، إنما هو { لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } فإنهم الذين علموا ، فانتفعوا بعلمهم ، وأعد الله لهم الجزاء الجزيل ، والأجر الجميل ، فلهذا قال :

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَهَٰذَا صِرَٰطُ رَبِّكَ مُسۡتَقِيمٗاۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ} (126)

114

ثم نعود إلى السياق القرآني :

إن هذه الموجة بجملتها تجيء كالتعقيب على قضية الذبائح التي سبق بيانها ؛ فترتبط هذه بتلك ، حزمة واحدة في السياق ، وحزمة واحدة في الشعور ، وحزمة واحدة في بناء هذا الدين . فقضية الذبائح هي قضية التشريع . وقضية التشريع هي قضية الحاكمية . وقضية الحاكمية هي قضية الإيمان . . ومن هنا يكون الحديث عن الإيمان على هذا النحو في موضعه المطلوب .

ثم يجيء التعقيب الأخير في هذا المقطع يربط هذه وتلك الرباط الأخير . . فهذه وتلك صراط الله المستقيم . والخروج في واحدة منهما هو الخروج عن هذا الصراط المستقيم . والاستقامة عليهما معاً . . العقيدة والشريعة . . هي الاستقامة على الصراط المؤدي إلى دار السلام ، وولاية الله لعباده الذاكرين :

( وهذا صراط ربك مستقيما . قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون . لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون ) . .

هذا هو الصراط . . صراط ربك . . بهذه الإضافة المطمئنة الموحية بالثقة ؛ المبشرة بالنهاية . . هذه هي سنته في الهدى والضلال ؛ وتلك هي شريعته في الحل والحرمة . كلاهما سواء في ميزان الله ، وكلاهما لحمة في سياق قرآنه .

وقد فصل الله آياته وبينها . ولكن الذين يتذكرون ولا ينسون ولا يغفلون هم الذين ينتفعون بهذا البيان وهذا التفصيل . فالقلب المؤمن قلب ذاكر لا يغفل . وقلب منشرح مبسوط مفتوح . وقلب حي يستقبل ويستجيب .