{ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أي : وكما ولَّيْنَا الجن المردة وسلطناهم على إضلال أوليائهم من الإنس وعقدنا بينهم عقد الموالاة والموافقة ، بسبب كسبهم وسعيهم بذلك .
كذلك من سنتنا أن نولي كل ظالم ظالما مثله ، يؤزه إلى الشر ويحثه عليه ، ويزهده في الخير وينفره عنه ، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها ، البليغ خطرها .
والذنب ذنب الظالم ، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه ، وعلى نفسه جنى { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } ومن ذلك ، أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم ، ومنْعهم الحقوق الواجبة ، ولَّى عليهم ظلمة ، يسومونهم سوء العذاب ، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله ، وحقوق عباده ، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين .
كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا ، أصلح الله رعاتهم ، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف ، لا ولاة ظلم واعتساف . ثم وبخ الله جميع من أعرض عن الحق ورده ، من الجن والإنس ، وبين خطأهم ، فاعترفوا بذلك ، فقال :
وقبل استئناف الحوار لإتمام المشهد ، يتحول السياق للتعقيب على شطر المشهد المنتهي :
( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) . .
بمثل هذا الذي قام بين الجن والإنس من ولاء ؛ وبمثل ما انتهى إليه هذا الولاء من مصير . . بمثل ذلك ، وعلى قاعدته ، نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون . نجعل بعضهم أولياء بعض ؛ بحكم ما بينهم من تشابه في الطبع والحقيقة ؛ وبحكم ما بينهم من اتفاق في الوجهة والهدف ، وبحكم ما ينتظرهم من وحدة في المصير . .
وهو تقرير عام أبعد مدى من حدود المناسبة التي كانت حاضرة ، إنه يتناول طبيعة الولاء بين الشياطين من الإنس والجن عامة . فإن الظالمين - وهم الذين يشركون بالله في صورة من الصور - يتجمع بعضهم إلى بعض في مواجهة الحق والهدى ؛ ويعين بعضهم بعضا في عداء كل نبي والمؤمنين به . إنهم فضلا على أنهم من طينة واحدة - مهما اختلفت الأشكال - هم كذلك أصحاب مصلحة واحدة ، تقوم على اغتصاب حق الربوبية على الناس ، كما تقوم على الانطلاق مع الهوى بلا قيد من حاكمية الله . .
ونحن نراهم في كل زمان كتلة واحدة يساند بعضهم بعضا - على ما بينهم من خلافات وصراع على المصالح - إذا كانت المعركة مع دين الله ومع أولياء الله . . فبحكم ما بينهم من اتفاق في الطينة ، واتفاق في الهدف يقوم ذلك الولاء . . وبحكم ما يكسبون من الشر والإثم تتفق مصائرهم في الآخرة على نحو ما رأينا في المشهد المعروض !
وإننا لنشهد في هذه الفترة - ومنذ قرون كثيرة - تجمعا ضخما لشياطين الإنس من الصليبين والصهيونيين والوثنيين والشيوعيين - على اختلاف هذه المعسكرات فيما بينها - ولكنه تجمع موجه إلى الإسلام ، وإلى سحق طلائع حركات البعث الإسلامي في الأرض كلها .
وهو تجمع رهيب فعلا ، تجتمع له خبرة عشرات القرون في حرب الإسلام ، مع القوى المادية والثقافية ، مع الأجهزة المسخرة في المنطقة ذاتها للعمل وفق أهداف ذلك التجمع وخططه الشيطانية الماكرة . . وهو تجمع يتجلى فيه قول الله سبحانه : ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) . . كما ينطبق عليه تطمين الله لنبيه - [ ص ] : ( ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون ) . . ولكن هذا التطمين يقتضي أن تكون هناك العصبة المؤمنة التي تسير على قدم رسول الله [ ص ] وتعلم أنها تقوم مقامه في هذه المعركة المشبوبة على هذا الدين ، وعلى المؤمنين . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.