تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَعَشِيّٗا وَحِينَ تُظۡهِرُونَ} (18)

فهذه الأوقات الخمسة أوقات الصلوات الخمس أمر اللّه عباده بالتسبيح فيها والحمد ، ويدخل في ذلك الواجب منه كالمشتملة عليه الصلوات الخمس ، والمستحب كأذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات وما يقترن بها من النوافل ، لأن هذه الأوقات التي اختارها اللّه [ لأوقات المفروضات هي ] أفضل من غيرها [ فالتسبيح والتحميد فيها والعبادة فيها أفضل من غيرها ]{[644]} بل العبادة وإن لم تشتمل على قول " سبحان اللّه " فإن الإخلاص فيها تنزيه للّه بالفعل أن يكون له شريك في العبادة أو أن يستحق أحد من الخلق ما يستحقه من الإخلاص والإنابة .


[644]:- زيادة من ب.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَعَشِيّٗا وَحِينَ تُظۡهِرُونَ} (18)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَسُبْحَانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ } . يقول تعالى ذكره : فسبحوا الله أيها الناس : أي صلوا له حين تمسون ، وذلك صلاة المغرب ، وحين تصبحون ، وذلك صلاة الصبح وَلَهُ الحَمْدُ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول : وله الحمد من جميع خلقه دون غيره في السموات من سكانها من الملائكة ، والأرض من أهلها ، من جميع أصناف خلقه فيها ، وَعَشِيّا يقول : وسَبّحوه أيضا عشيا ، وذلك صلاة العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ يقول : وحين تَدْخلون في وقت الظهر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزِين ، قال : سأل نافع بن الأزرق بن عباس : ( هل تجد ) ميقات الصلوات الخمس في كتاب الله ؟ قال : نعم فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ المغرب وَحِينَ تُصْبِحُونَ الفجر وَعَشِيّا العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ الظهر ، قال : ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عَوْرات لكم .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رَزِين ، قال : سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن الصلوات الخمس في القرآن ، قال : نعم ، فقرأ فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ قال : صلاة المغرب وَحِينَ تُصْبِحُونَ قال : صلاة الصبح وَعَشِيّا قال : صلاة العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ صلاة الظهر ، ثم قرأ : وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن الحكم بن أبي عياض ، عن ابن عباس ، قال : جمعت هاتان الاَيتان مواقيت الصلاة فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ قال : المغرب والعشاء وَحِينَ تُصْبِحُونَ الفجر وَعَشِيّا العصر وَحِينَ تُظْهرُونَ الظهر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن الحكم ، عن أبي عياض ، عن ابن عباس ، بنحوه .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن الحكم ، عن أبي عياض ، عن ابن عباس في قوله فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ . . . إلى قوله وَحِينَ تُظْهِرُونَ قال : جمعت الصلوات فسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ المغرب والعشاء وَحِين تُصْبِحُونَ صلاة الصبح وَعَشِيّا صلاة العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ صلاة الظهر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، عن أبي سنان ، عن ليث ، عن مجاهد فسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ المغرب والعشاء وَحِينَ تُصْبِحُونَ الفجر وَعَشِيّا العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ الظهر ، وكلّ سجدة في القرآن فهي صلاة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ لصلاة المغرب وَحِينَ تُصْبِحُونَ لصلاة الصبح وَعَشِيّا لصلاة العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ صلاة الظهر أربع صلوات .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ، وَلَهُ الحَمْدُ في السّمَوَاتِ والأرْضِ ، وَعَشِيّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ . قال : حين تمسون : صلاة المغرب ، وحين تصبحون : صلاة الصبح ، وعشيا : صلاة العصر ، وحين تظهرون : صلاة الظهر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَعَشِيّٗا وَحِينَ تُظۡهِرُونَ} (18)

وقوله { وله الحمد في السماوات والأرض } جملة معترضة بين الظروف تفيد أن تسبيح المؤمنين لله ليس لمنفعة الله تعالى بل لمنفعة المسبحين لأن الله محمود في السماوات والأرض فهو غني عن حمدنا .

وتقديم المجرور في { ولَهُ الحَمْد } لإفادة القصر الادعائي لجنس الحمد على الله تعالى لأن حمده هو الحمد الكامل على نحو قولهم : فلان الشجاع ، كما تقدم في طالعة سورة الفاتحة . ولك أن تجعل التقديم للاهتمام بضمير الجلالة .

والإمساء : حلول المساء . والإصباح : حلول الصباح . وتقدم في قوله { فالق الإصباح } في سورة الأنعام ( 96 ) . والإمساء : اقتراب غروب الشمس إلى العشاء ، والصباح : أول النهار . والإظهار : حلول وقت الظهر وهو نصف النهار .

وقد استعمل الإفعال الذي همزته للدخول في المكان مثل : أنجد ، وأتهم ، وأيْمَنَ ، وأشأم في حلول الأوقات من المساء والصباح والظهر تشبيهاً لذلك الحلول بالكون في المكان ، فيكثر أن يقال : أصبح وأضحى وأمسى وأعْتَمَ وأشرَق ، قال تعالى { فأتبعوهم مشرقين } [ الشعراء : 60 ] .

والعشي : ما بعد العصر ، وقد تقدم عند قوله تعالى { ولا تَطْرُدِ الذين يَدْعُون ربهم بالغداة والعشي في سورة الأنعام ( 52 ) .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَعَشِيّٗا وَحِينَ تُظۡهِرُونَ} (18)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وله الحمد في السماوات والأرض} يحمده الملائكة في السماوات ويحمده المؤمنون في الأرض، {وعشيا} يعني صلاة العصر، {وحين تظهرون} آية يعني صلاة الأولى،...

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

{فعشيا} العصر، {وحين تظهرون}، الظهر.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وَلَهُ الحَمْدُ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ: وله الحمد من جميع خلقه دون غيره في السموات من سكانها من الملائكة، والأرض من أهلها، من جميع أصناف خلقه فيها.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل قوله: {وله الحمد} على التقديم؛ يقول: سبحان الله، {وله الحمد} فيكون الحمد كناية عن الصلاة كالتسبيح لما فيها من التحميد...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ} فيه قولان: أحدهما: الحمد لله على نعمه وآلائه...

وإنما خص صلاة الليل باسم التسبيح وصلاة النهار باسم الحمد لأن الإنسان في النهار متقلب في أحوال توجب حمد الله عليها، وفي الليل على خلوة توجب تنزيه الله من الأسواء فيها فلذلك صار الحمد بالنهار أخص فسميت به صلاة النهار، والتسبيح بالليل أخص فسميت به صلاة الليل.

والفرق بين المساء والعشي أن المساء بدو الظلام بعد المغيب، والعشي آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب وهو مأخوذ من عشا العين وهو نقص النور من الناظر كنقص نور الشمس، فجاءت هذه الآية جامعة لأوقات الصلوات الخمس.

قال يحيى بن سلام: كل صلاة ذكرت في كتاب الله قبل الليلة التي أسري فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم فليست من الصلوات الخمس لأنها فرضت في الليلة التي أسري به فيها وذلك قبل الهجرة بسنة، قال: وهذه الآية نزلت بعد ليلة الإسراء وقبل الهجرة...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَعَشِيّاً} متصل بقوله: {حِينَ تُمْسُونَ} وقوله: {وَلَهُ الحمد فِى السماوات والأرض} اعتراض بينهما.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وقوله: {وله الحمد في السماوات والأرض} كلام معترض بين المعطوف والمعطوف عليه وفيه لطيفة وهو أن الله تعالى لما أمر العباد بالتسبيح كأنه بين لهم أن تسبيحهم الله لنفعهم لا لنفع يعود على الله فعليهم أن يحمدوا الله إذا سبحوه وهذا كما في قوله تعالى:

{يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان}.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

ثم اعترض بحمده، مناسبة للتسبيح وهو التحميد، فقال: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ}: هو المحمود على ما خلق في السموات والأرض.

{وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} فالعشاء هو: شدة الظلام، والإظهار: قوة الضياء. فسبحان خالق هذا وهذا، فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا، من قال حين يصبح: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ. وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} الآية بكمالها، أدرك ما فاته في يومه، ومَنْ قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته". إسناد جيد ورواه أبو داود في سننه...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{الحمد} أي الإحاطة بأوصاف الكمال.

{وعشياً} أي من الزوال إلى الصباح.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{وله الحمد في السماوات والأرض} جملة معترضة بين الظروف تفيد أن تسبيح المؤمنين لله ليس لمنفعة الله تعالى بل لمنفعة المسبحين لأن الله محمود في السماوات والأرض فهو غني عن حمدنا.

وتقديم المجرور في {ولَهُ الحَمْد} لإفادة القصر الادعائي لجنس الحمد على الله تعالى لأن حمده هو الحمد الكامل على نحو قولهم: فلان الشجاع، كما تقدم في طالعة سورة الفاتحة. ولك أن تجعل التقديم للاهتمام بضمير الجلالة.

والعشي: ما بعد العصر.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

حين نتأمل هذه الأوقات التي أمرنا الله فيها بالتسبيح، وهي المساء والصباح والعشى، وهي من العصر إلى المغرب. ثم الظهيرة نجد أنها أوقات عامة سارية في كون الله لا تنقطع أبدا، فأي صباح وأي مساء؟ صباحي أنا؟ أم صباح الآخرين؟ مسائي أم مساء غيري في أقصى أطراف المعمورة؟ إن المتأمل في دورة الوقت يجد أن كل لحظة فيه لا تخلو من صباح ومساء، وعشية وظهيرة، وهذا يعني أن الله تعالى مسبح معبود في كل لحظة من لحظات الزمن. وفي ضوء هذا نفهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل" فالكون لا يخلو في لحظة واحدة من ليل أو نهار، وهذا يعني أن يد الله سبحانه مبسوطة دائما لا تقبض: {بل يداه مبسوطتان... 64} (المائدة)...