تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَآءً خَفِيّٗا} (3)

شكا إلى ربه ضعفه الظاهر والباطن ، وناداه نداء خفيا ، ليكون أكمل وأفضل وأتم إخلاصا ، فقال : { رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ْ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَآءً خَفِيّٗا} (3)

وقوله : إذْ نادَى رَبّهُ نِدَاءً خَفِيّا يقول حين دعا ربه ، وسأله بنداء خفيّ ، يعني : وهو مستسرّ بدعائه ومسألته إياه ما سأل كراهته منه للرياء ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إذْ نادَى رَبّهُ نِدَاءً خَفِيّا أي سرّا ، وإن الله يعلم القلب النقيّ ، ويسمع الصوت الخفيّ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : إذْ نادَى رَبّهُ نِدَاءً خَفِيّا قال : لا يريد رياء .

حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : رغب زكريا في الولد ، فقام فصلى ، ثم دعا ربه سرّا ، فقال : رَبّ إنّي وَهَنَ العَظْمُ مِنّي . . . إلى وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَآءً خَفِيّٗا} (3)

{ إذ نادى ربه } ظرف ل { رحمتِ } . أي رحمة الله إياه في ذلك الوقت ، أو بدل من { ذكر ، } أي اذكر ذلك الوقت .

والنداء : أصله رفع الصوت بطلب الإقبال . وتقدم عند قوله تعالى : { ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان } في سورة آل عمران ( 193 ) وقوله : { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها } في [ سورة الأعراف : 43 ] . ويطلق النداء كثيراً على الكلام الذي فيه طلب إقبال الذات لعمل أو إقبال الذهن لوعي كلام ، فلذلك سميت الحروف التي يفتتح بها طلب الإقبال حروف النداء . ويطلق على الدعاء بطلب حاجة وإن لم يكن فيه نداء لأن شأن الدعاء في المتعارف أن يكون جهراً . أي تضرعاً لأنه أوقع في نفس المدعو . ومعنى الكلام : أن زكرياء قال : يا رب ، بصوت خفي .

وإنما كان خفياً لأن زكرياء رأى أنه أدخل في الإخلاص مع رجائه أنّ الله يجيب دعوته لئلا تكون استجابته مما يتحدث به الناس ، فلذلك لم يدعه تضرعاً وإن كان التضرع أعون على صدق التوجه غالباً ، فلعل يقين زكرياء كاف في تقوية التوجه ، فاختار لدعائه السلامة من مخالطة الرياء . ولا منافاة بين كونه نداء وكونه خفياً ، لأنه نداء من يسمع الخفاء .

والمراد بالرحمة : استجابة دعائه ، كما سيصرح به بقوله : { يا زكرياء إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى } [ مريم : 7 ] . وإنما حكي في الآية وصف دعاء زكرياء كما وقع فليس فيها إشعار بالثناء على إخفاء الدعاء .