اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَآءً خَفِيّٗا} (3)

قوله : { إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } .

في ناصب إذ ثلاثة أوجه :

أحدها : أنَّهُ " ذِكْرُ " ، ولم يذكُر الحوفيُّ غيره .

والثاني : أنَّه " رَحْمَة " وقد ذكر الوجهين أبو البقاء .

والثالث : أنَّه بدلٌ من " زكريَّا " بدل ُ اشتمالٍ ؛ لأنَّ الوقت مشتملٌ عليه ، وسيأتي مثلُ هذا عند قوله { واذكر فِي الكتاب مَرْيَمَ } [ مريم : 16 ] ونحوه .

فصل في أدب زكريا في دعائه

راعى سُنَّة الله في إخفاء دعوته ؛ لأنَّ الجهر والإخفاء عند الله سيَّان ، وكان الإخفاء أولى ؛ لأنَّه أبعد عن الرِّياء ، وأدخلُ في الإخلاص .

وقيل : أخفاه ؛ لئلاَّ يلامُ على طلبِ الولدِ في زمان الشيخوخة وقيل : أسرَّهُ من مواليه الذين خافهم .

وقيل : خِفْتُ صوتهُ ؛ لضعفه ، وهرمه ، كما جاء في صفةِ الشَّيْخ : صوتهُ خفاتٌ ، وسمعهُ تارات .

فإن قيل : من شرط النِّداء الجهر ، فكيف الجمع بين كونه نداء وخفيًّا ؟ .

فالجوابُ من وجهين :

الأول : أنَّه أتى بأقصى ما قدر عليه من رفع الصوت ؛ إلا أنَّ صوته كان ضعيفاً ؛ لنهايةِ ضعفه بسببِ الكبر ، فكان نداءً ؛ نظراً إلى القصد ، خفيًّا نظراً إلى الواقع .

الثاني : أنَّه دعاه في الصَّلاة ؛ لأنَّ الله تعالى ، أجابه في الصَّلاة ؛ لقوله تعالى : { فَنَادَتْهُ الملائكة وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المحراب أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ } [ آل عمران : 39 ] فتكُون الإجابةُ في الصَّلاة تدلُّ على كون الدُّعاء في الصّلاة ؛ فوجب أن يكون النداءُ فيها خفيًّا .

وفي التفسير : " إذْ نَادَى " : دعا " ربَّه " في محرابِهِ .

قوله : { نِدَآءً خَفِيّاً } دعا سرًّا من قومه في جوف الليل .