السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَآءً خَفِيّٗا} (3)

{ إذ نادى ربه نداء } مشتملاً على دعاء { خفياً } أي : سراً جوف الليل ؛ لأنه أسرع إلى الإجابة وإن كان الجهر والإخفاء عند اللّه سيان ، وقيل : أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في زمن الشيخوخة ، وقيل : أسره من مواليه الذين خافهم ، وقيل : خفت صوته لضعفه وهرمه ، كما جاء في صفة الشيخ صوته خفات وسمعه تارات .

فإن قيل : من شرط النداء الجهر فكيف الجمع بين كونه نداء وخفياً ؟ .

أجيب : بوجهين ، الأول : أنه أتى بأقصى ما قدر عليه من رفع الصوت إلا أن صوته كان ضعيفاً لنهاية ضعفه بسبب الكبر فكان نداءً نظراً إلى القصد خفياً نظراً إلى الواقع ، الثاني : أنه دعا في الصلاة لأن اللّه تعالى أجابه في الصلاة لقوله تعالى : { فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن اللّه يبشرك } [ آل عمران ، 39 ] وكون الإجابة في الصلاة يدلّ على كون الدعاء فيها فيكون النداء فيها خفياً .

تنبيه : في ناصب إذ ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه ذكر ولم يذكر الحوفي غيره ، والثاني : رحمة ولم يذكر الجلال المحلى غيره وذكر الوجهين أبو البقاء ، والثالث : أنه بدل من زكريا بدل اشتمال لأن الوقت مشتمل عليه .