تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ} (84)

{ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ } أي : اجعل لي ثناء صدق ، مستمر إلى آخر الدهر . فاستجاب الله دعاءه ، فوهب له من العلم والحكم ، ما كان به من أفضل المرسلين ، وألحقه بإخوانه المرسلين ، وجعله محبوبا مقبولا معظما مثنًى عليه ، في جميع الملل ، في كل الأوقات .

قال تعالى : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ} (84)

القول في تأويل قوله تعالى : { رَبّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ * وَاجْعَل لّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن مسألة خليله إبراهيم إياه رَبّ هَبْ لي حُكْما يقول : ربّ هب لي نبوّة وألْحِقْنِي بالصّالِحِينَ يقول : واجعلني رسولاً إلى خلقك ، حتى تلحقني بذلك بِعداد من أرسلته من رسلك إلى خلقك ، واتمنته على وحيك ، واصطفيته لنفسك . وقوله : وَاجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ يقول : واجعل لي في الناس ذكرا جميلاً ، وثناء حسنا ، باقيا فيمن يجيء من القرون بعدي . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن عكرمة ، قوله وَاجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ ، قوله وآتَيْناهُ أجْرَهُ فِي الدّنْيا . قال : إن الله فضله بالخُلّة حين اتخذه خليلاً ، فسأل الله فقال : وَاجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ حتى لا تكذّبني الأمم ، فأعطاه الله ذلك ، فإن اليهود آمنت بموسى ، وكفرت بعيسى ، وإن النصارى آمنت بعيسى ، وكفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكلهم يتولى إبراهيم قالت اليهود : هو خليل الله وهو منا ، فقطع الله ولايتهم منه بعد ما أقرّوا له بالنبوّة وآمنوا به ، فقال : ما كانَ إبْرَاهِيمُ يَهُودِيّا وَلا نَصْرَانِيّا ، وَلَكِنْ كانَ حَنِيفا مُسْلِمَا وَما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ ، ثم ألحق ولايته بكم فقال : إنّ أوْلَى النّاسِ بإبْرَاهيمَ لَلّذِينَ اتّبَعُوهُ ، وَهَذَا النّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا وَالله وَلِيّ المُؤْمِنِينَ فهذا أجره الذي عجل له ، وهي الحسنة ، إذ يقول : وآتَيْناهُ في الدّنْيا حَسَنَةً وهو اللسان الصدق الذي سأل ربه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَاجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ قال : اللسان الصّدْق : الذكْر الصدق ، والثناء الصالح ، والذكر الصالح في الاَخرين من الناس ، من الأمم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ} (84)

واللسان مراد به الكلام من إطلاق اسم الآلة على ما يتقوم بها . واللام في قوله : { لي } تقتضي أن الذكر الحسن لأجله فهو ذكره بخير . وإضافة { لسان } إلى { صدق } من إضافة الموصوف إلى الصفة ، ففيه مبالغة الوصف بالمصدر ، أي لساناً صادقاً .

والصدق هنا كناية عن المحبوب المرغوب فيه لأنه يرغب في تحققه ووقوعه في نفس الأمر . وسأل أن يكون من المستحقين الجنة خالداً فاستعير اسم الورثة إلى أهل الاستحقاق لأن الوارث ينتقل إليه ملك الشيء الموروث بمجرد موت المالك السابق . ولما لم يكن للجنة مالكون تعين أن يكون الوارثون المستحقين من وقت تبَوُّؤ أهل الجنة الجنة ، قال تعالى : { أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } [ المؤمنون : 10 ، 11 ] .