تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (109)

ثم قال تعالى : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ } أي : هو المالك لما في السماوات وما في الأرض ، الذي خلقهم ورزقهم ويتصرف فيهم بقدره وقضائه ، وفي شرعه وأمره ، وإليه يرجعون يوم القيامة فيجازيهم بأعمالهم حسنها وسيئها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (109)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَللّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِلَىَ اللّهِ تُرْجَعُ الاُمُورُ }

يعني بذلك جلّ ثناؤه : أنه يعاقب الذين كفروا بعد إيمانهم بما ذكر أنه معاقبهم به من العذاب العظيم ، وتسويد الوجوه ، ويثيب أهل الإيمان به ، الذين ثبتوا على التصديق والوفاء بعهودهم التي عاهدوا عليها ، بما وصف أنه مثيبهم به ، من الخلود في جناته ، من غير ظلم منه لأحد الفريقين فيما فعل ، لأنه لا حاجة به إلى الظلم ، وذلك أن الظالم إنما يظلم غيره ليزداد إلى عزّته عزّة بظلمه إياه ، وإلى سلطانه سلطانا ، وإلى ملكه ملكا ، لنقصان في بعض أسبابه ، يتمم بما ظلم غيره فيه ما كان ناقصا من أسبابه عن التمام ، فأما من كان له جميع ما بين أقطار المشارق والمغارب ، وما في الدنيا والاَخرة ، فلا معنى لظلمه أحدا فيجوز أن يظلم شيئا ، لأنه ليس من أسبابه شيء ناقص يحتاج إلى تمام ، فيتمّ ذلك بظلم غيره ، تعالى الله علوّا كبيرا¹ ولذلك قال جلّ ثناؤه عقيب قوله : { وَما اللّهُ يُرِيدُ ظُلْما للْعالَمِينَ } { ولِلّهِ ما فِي السّمَوَاتِ وَما فِي الأرْضِ وإلى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ } .

واختلف أهل العربية في وجه تكرير الله تعالى ذكره اسمه مع قوله : { وإلى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ } ظاهرا وقد تقدم اسمه ظاهرا مع قوله : { وَلِلّهِ ما فِي السّمَوَاتِ وَما فِي الأرْضِ } فقال بعض أهل العربية من أهل البصرة : ذلك نظير قول العرب : أما زيد فذهب زيد ، وكما قال الشاعر :

لا أرَى الموتَ يسبقُ الموتَ شَيْءٌ *** نَغّصَ المَوْتُ ذا الغنى والفقيرا

فأظهر في موضع الإضمار . وقال بعض نحويي الكوفة : ليس ذلك نظير هذا البيت ، لأن موضع الموت الثاني في البيت موضع كناية ، لأنه كلمة واحدة ، وليس ذلك كذلك في الاَية ، لأن قوله : { وَلِلّهِ ما فِي السّمَوَاتِ وَما فِي الأرْضِ } خبر ليس من قوله : { وإلى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ } في شيء ، وذلك أن كل واحدة من القصتين مفارق معناها معنى الأخرى ، مكتفية كل واحدة منهما بنفسها ، غير محتاجة إلى الأخرى ، وما قال الشاعر : «لا أرى » الموت محتاج إلى تمام الخبر عنه .

وهذا القول الثاني عندنا أولى بالصواب ، لأن كتاب الله عزّ وجلّ لا يؤخذ معانيه ، وما فيه من البيان إلى الشواذّ من الكلام والمعاني وله في الفصيح من المنطق والظاهر من المعاني المفهوم وجه صحيح موجود .

وأما قوله : { وإلى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ } فإنه يعني تعالى ذكره : إلى الله مصير أمر جميع خلقه الصالح منهم ، والطالح والمحسن والمسيء ، فيجازي كلاّ على قدر استحقاقهم منه الجزاء بغير ظلم منه أحدا منهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (109)

وقوله { ولله ما في السماوات وما في الأرض } [ البقرة : 284 ] عطف على التذييل : لأنَّه إذا كان له ما في السموات وما في الأرض فهو يريد صلاح حالهم ، ولا حاجة له بإضرارهم إلا للجزاء على أفعالهم . فلا يريد ظلمهم ، وإليه ترجع الأشياء كُلّها فلا يفوته ثواب محسن ولا جزاء مسيء .

وتكرير اسم الجلالة ثلاث مرات في الجمل الثلاث التي بعد الأولى بدون إضمار للقصد إلى أن تكون كلّ جملة مستقلّة الدلالة بنفسها ، غير متوقّفة على غيرها ، حتَّى تصلح لأن يتمثّل بها ، وتستحضرها النُّفوس وتحفظها الأسماع .