تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ} (87)

{ 87 } قال تعالى { رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ ْ } أي : كيف رضوا لأنفسهم أن يكونوا مع النساء المتخلفات عن الجهاد ، هل معهم فقه أو عقل دلهم على ذلك ؟ أم طبع الله على قلوبهم فلا تعي الخير ، ولا يكون فيها إرادة لفعل ما فيه الخير والفلاح ؟ فهم لا يفقهون مصالحهم ، فلو فقهوا حقيقة الفقه ، لم يرضوا لأنفسهم بهذه الحال التي تحطهم عن منازل الرجال .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ} (87)

القول في تأويل قوله تعالى : { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } .

يقول تعالى ذكره : رضي هؤلاء المنافقون الذين إذا قيل لهم : آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله ، استأذنك أهل الغنى منهم في التخلف عن الغزو والخروج معك لقتال أعداء الله من المشركين ، أن يكونوا في منازلهم كالنساء اللواتي ليس عليهنّ فرض الجهاد ، فهن قعود في منازلهنّ وبيوتهنّ . وَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ يقول : وختم الله على قلوب هؤلاء المنافقين ، فهم لا يفقهون عن الله مواعظه فيتعظون بها . وقد بيّنا معنى الطبع وكيف الختم على القلوب فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخوَالِفِ قال : والخوالف : هنّ النساء .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخوَالِفِ يعني : النساء .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حبوية أبو يزيد ، عن يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ قال : النساء .

قال : حدثنا المحاربيّ ، عن جويبر ، عن الضحاك : مع الخوالف قال : مع النساء .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ أي مع النساء .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والحسن : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ قالا : النساء .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ قال : مع النساء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ} (87)

استئناف قصد منه التعجيب من دناءة نفوسهم وقلّة رجلتهم بأنّهم رضوا لأنفسهم بأن يكونوا تبعاً للنساء . وفي اختيار فعل { رضوا } إشعار بأنّ ما تلبسوا به من الحال من شأنه أن يتردّد العاقل في قبوله كما تقدّم في قوله تعالى : { أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة } [ التوبة : 38 ] وقوله : { إنكم رضيتم بالقعود أول مرة } [ التوبة : 83 ] .

والخوالف : جمع خالفة وهي المرأة التي تتخلّف في البيت بعد سفر زوجها فإن سافرت معه فهي الظعينة ، أي رضوا بالبقاء مع النساء .

والطبع تمثيل لحال قلوبهم في عدم قبول الهدى بالإناء أو الكتاب المختوم . والطبع مرادف الختم . وقد تقدّم بيانه عند قوله تعالى : { ختم الله على قلوبهم } في سورة البقرة ( 7 ) . وأسند الطبع إلى المجهول إمّا للعلم بفاعله وهو الله ، وإمّا للإشارة إلى أنّهم خلقوا كذلك وجبلوا عليه وفرع على الطبع انعدام علمهم بالأمور التي يختصّ بعلمها أهل الأفهام ، وهو العلم المعبّر عنه بالفقه ، أي إدراك الأشياء الخفيّة ، أي فآثروا نعمة الدعة على سُمعة الشجاعة وعلى ثواب الجهاد إذ لم يدركوا إلاّ المحسوسات فلذلك لم يكونوا فاقهين وذلك أصل جميع المَضار في الداريْن .

وجيء في إسناد نفي الفقاهة عنهم بالمسند الفعلي للدلالة على تقوّي الخبر وتحقيق نسبته إلى المخبر عنهم وتمكّنه منهم .