{ وَعَلامَاتٍ وَبِالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } .
اختلف أهل التأويل في المعنّى بالعلامات ، فقال بعضهم : عُني بها معالم الطرق بالنهار . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَعَلاماتٍ وبالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ يعني بالعلامات : معالم الطرق بالنهار ، وبالنجم هم يهتدون بالليل .
وقال آخرون : عُني بها النجوم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : وَعَلاماتٍ وبالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ قال : منها ما يكون علامات ، ومنها ما يهتدون به .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : وَعَلاماتٍ وبالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ قال : منها ما يكون علامة ، ومنها ما يهتدي به .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، مثله .
قال : المثنى ، قال : حدثنا إسحاق خالف قبيصة وكيعا في الإسناد .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَعَلاماتٍ وبالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ والعلامات : النجوم ، وإن الله تبارك وتعالى إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصلات : جعلها زينة للسماء ، وجعلها يهتدي بها ، وجعلها رجوما للشياطين . فمن تعاطى فيها غير ذلك ، فَقَدَ رَأْيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلّف ما لا علم له به .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتاد : وَعَلاماتٍ قال النجوم .
وقال آخرون : عُني بها الجبال . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الكلبي : وَعَلاماتٍ قال : الجبال .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره عدّد على عباده من نعمه ، إنعامَهُ عليهم بما جعل لهم من العلامات التي يهتدون بها في مسالكهم وطرقهم التي يسيرونها ، ولم يخصص بذلك بعض العلامات دون بعض ، فكلّ علامة استدلّ بها الناس على طرقهم وفجاج سُبلهم فداخل في قوله : وَعَلاماتٍ . والطرق المسبولة : الموطوءة ، علامة للناحية المقصودة ، والجبال علامات يهتدي بهنّ إلى قصد السبيل ، وكذلك النجوم بالليل . غير أن الذي هو أولى بتأويل الاَية أن تكون العلامات من أدلة النهار ، إذ كان الله قد فصل منها أدلة الليل بقوله : وبالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ . وإذا كان ذلك أشبه وأولى بتأويل الاَية ، فالواجب أن يكون
القول في ذلك ما قاله ابن عباس في الخبر الذي رويناه عن عطية عنه ، وهو أن العلامات معالم الطرق وأماراتها التي يهتدى بها إلى المستقيم منها نهارا ، وأن يكون النجم الذي يهتدى به ليلاً هو الجدي والفرقدان ، لأن بها اهتداء السفر دون غيرها من النجوم . فتأويل الكلام إذن : وجعل لكم أيها الناس علامات تستدلون بها نهارا على طرقكم في أسفاركم . ونجوما تهتدون بها ليلاً في سُبلكم .
{ عَلامات } نصب على المصدر ، أي فعل هذه الأشياء لعلكم تعتبرون بها { وعلامات } أي عبرة وإعلاماً في كل سلوك ، فقد يهتدي بالجبال والأنهار والسبل ، واختلف الناس في معنى قوله { وعلامات } على أن الأظهر عندي ما ذكرت ، فقال ابن الكلبي «العلامات » الجبال ، وقال إبراهيم النخعي ومجاهد : «العلامات » النجوم ، ومنها ما سمي علامات ومنها ما يهتدي به ، وقال ابن عباس : «العلامات » معالم الطرق بالنهار ، والنجوم هداية الليل .
قال القاضي أبو محمد : والصواب إذا قدرنا الكلام غير معلق بما قبله أن اللفظة تعم هذا وغيره ، وذلك أن كل ما دل على شيء وأعلم به فهو علامة ، وأحسن الأقوال المذكورة ، قول ابن عباس رضي الله عنه : لأنه عموم في المعنى فتأمله ، وحدثني أبي رضي الله عنه أنه سمع بعض أهل العلم بالمشرق يقول : إن في بحر الهند الذي يجري فيه من اليمن إلى الهند حيتاناً طوالاً رقاقاً كالحيات في التوائها وحركاتها وألوانها ، وإنها تسمى علامات ، وذلك أنها علامة الوصول إلى بلد الهند ، وأمارة إلى النجاة والانتهاء إلى الهند لطول ذلك البحر وصعوبته ، وإن بعض الناس قال : إنها التي أراد الله تعالى في هذه الآية .
قال القاضي أبو محمد : قال أبي رضي الله عنه : وأما من شاهد تلك العلامات في البحر المذكور وعاينها فحدثني منهم عدد كثير ، وقرأ الجمهور «وبالنجم » على أنه اسم الجنس ، وقرأ يحيى بن وثاب «وبالنُّجْم » بضم النون والجيم ساكنة على التخفيف من ضمها ، وقرأ الحسن «وبالنُّجم » بضم النون وذلك جمع ، كسقف وسقف ، ورهن ورهن ، ويحتمل أن يراد وبالنجوم ، فحذفت الواو{[7268]} .
قال القاضي أبو محمد : وهذا عندي توجيه ضعيف ، وقال الفراء : المراد الجدي والفرقدان{[7269]} . وقال غيره : المراد القطب الذي لا يجري وقال قوم : غير هذا ، وقال قوم : هو اسم الجنس وهذا هو الصواب .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وعلامات}، يعني: الجبال، كقوله سبحانه: {كالأعلام} [الرحمن:24] يعنى الجبال، {وبالنجم هم يهتدون}... يعنى بالجبال، والكواكب، وبها يعرفون الطرق في البر والبحر...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل التأويل في المعنّى بالعلامات؛ فقال بعضهم: عُني بها معالم الطرق بالنهار... عن ابن عباس:"وَعَلاماتٍ وبالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ" يعني بالعلامات: معالم الطرق بالنهار، "وبالنجم هم يهتدون "بالليل.
وقال آخرون: عُني بها النجوم...منها ما يكون علامات، ومنها ما يهتدون به...
وقال آخرون: عُني بها الجبال...
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره عدّد على عباده من نعمه، إنعامَهُ عليهم بما جعل لهم من العلامات التي يهتدون بها في مسالكهم وطرقهم التي يسيرونها، ولم يخصص بذلك بعض العلامات دون بعض، فكلّ علامة استدلّ بها الناس على طرقهم وفجاج سُبلهم فداخل في قوله: "وَعَلاماتٍ". والطرق المسبولة الموطوءة علامة للناحية المقصودة، والجبال علامات يهتدي بهنّ إلى قصد السبيل، وكذلك النجوم بالليل. غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية أن تكون العلامات من أدلة النهار، إذ كان الله قد فصل منها أدلة الليل بقوله: "وبالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ"، وإذا كان ذلك أشبه وأولى بتأويل الآية، فالواجب أن يكون القول في ذلك ما قاله ابن عباس في الخبر الذي رويناه عن عطية عنه، وهو أن العلامات معالم الطرق وأماراتها التي يهتدى بها إلى المستقيم منها نهارا، وأن يكون النجم الذي يهتدى به ليلاً... لأن بها اهتداء السفر دون غيرها من النجوم. فتأويل الكلام إذن: وجعل لكم أيها الناس علامات تستدلون بها نهارا على طرقكم في أسفاركم ونجوما تهتدون بها ليلاً في سُبلكم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
...ثم تحتمل الأعلام مرة بطعم الماء والجبال التي جعل فيها وبالرياح، ومرة تكون بالنجم؛ يعرفون بطعم الماء أن هذا الطريق يفضي إلى موضع كذا، وكذلك يعرفون بالجبال وبالرياح السبل إلى حوائجهم ومقصودهم، وكذلك بالنجم يعرفون الطرق. فالأعلام مختلفة، بها يهتدون الطرق والسبل. ويحتمل {يهتدون} بما ذكر من الأعلام {وبالنجم} والنجم سبب اهتدائهم إلى توحيد الله.
اعلم أنه تعالى لما ذكر أنه أظهر في الأرض سبلا معينة ذكر أنه أظهر فيها علامات مخصوصة حتى يتمكن المكلف من الاستدلال بها فيصل بواسطتها إلى مقصوده فقال: {وعلامات} وهي أيضا معطوفة على قوله: {في الأرض رواسي} والتقدير: وألقى في الأرض رواسي وألقى فيها أنهارا وسبلا وألقى فيها علامات، والمراد بالعلامات معالم الطرق وهي الأشياء التي بها يهتدي، وهذه العلامات هي الجبال والرياح، ورأيت جماعة يشمون التراب وبواسطة ذلك الشم يتعرفون الطرق. قال الأخفش: تم الكلام عند قوله: {وعلامات} وقوله: {وبالنجم هم يهتدون} كلام منفصل عن الأول...
فإن قيل: قوله: {أن تميد بكم} خطاب الحاضرين وقوله: {وبالنجم هم يهتدون} خطاب للغائبين فما السبب فيه؟
قلنا: إن قريشا كانت تكثر أسفارها لطلب المال، ومن كثرت أسفاره كان علمه بالمنافع الحاصلة من الاهتداء بالنجوم أكثر وأتم فقوله: {وبالنجم هم يهتدون} إشارة إلى قريش للسبب الذي ذكرناه، والله أعلم.
واختلف المفسرون فمنهم من قال قوله: {وبالنجم هم يهتدون} مختص بالبحر، لأنه تعالى لما ذكر صفة البحر وما فيه من المنافع بين أن من يسيرون فيه يهتدون بالنجم، ومنهم من قال: بل هو مطلق يدخل فيه السير في البر والبحر وهذا القول أولى، لأنه أعم في كونه نعمة. ولأن الاهتداء بالنجم قد يحصل في الوقتين معا، ومن الفقهاء من يجعل ذلك دليلا على أن المسافر إذا عميت عليه القبلة فإنه يجب عليه أن يستدل بالنجوم وبالعلامات التي في الأرض، وهي الجبال والرياح، وذلك صحيح، لأنه كما يمكن الاهتداء بهذه العلامات في معرفة الطرق والمسالك فكذلك يمكن الاستدلال بها في معرفة طلب القبلة.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
...وقال ابن عيسى: العلامة صورة يعلم بها ما يراد من خط أو لفظ أو إشارة أو هيئة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كانت الأدلة في الأرض غير محصورة فيها، قال: {وعلامات} أي من الجبال وغيرها...ولما كانت الدلالة بالنجم أنفع الدلالات وأعمها وأوضحها براً وبحراً ليلاً ونهاراً، نبه على عظمها بالالتفات إلى مقام الغيبة لإفهام العموم لئلا يظن أن المخاطب مخصوص، وأن الأمر لا يتعداه، فقال تعالى: {وبالنجم هم} أي أهل الأرض كلهم، وأولى الناس بذلك أول المخاطبين، وهم قريش ثم العرب كلها، لفرط معرفتهم بالنجوم {يهتدون} وقدم الجار تنبيهاً على أن دلالة غيره بالنسبة إليه سافلة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
العلامات: الأمارات التي ألهم الله الناس أن يضعوها أو يتعارفوها لتكون دلالة على المسافات والمسالك المأمونة في البرّ والبحر فتتبعها السابلة. وجملة {وبالنجم هم يهتدون} معطوفة على جملة {وألقى في الأرض رواسي}، لأنها في معنى: وهداكم بالنجم فأنتم تهتدون به.
...وأخصّ من يهتدي بها البحّارة لأنهم لا يستطيعون الإرساء في كل ليلة فهم مضطرّون إلى السير ليلاً، وهي هداية عظيمة في وقت ارتباك الطريق على السائر، ولذلك قدم المتعلق في قوله تعالى: {وبالنجم} تقديماً يفيد الاهتمام، وكذلك بالمسند الفعلي في قوله تعالى: {هم يهتدون}. وعدل عن الخطاب إلى الغيبة التفاتاً يومئ إلى فريق خاص وهم السيّارة والملاّحون فإن هدايتهم بهذه النجوم لا غير.