الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَعَلَٰمَٰتٖۚ وَبِٱلنَّجۡمِ هُمۡ يَهۡتَدُونَ} (16)

و { وَعَلامَاتٍ } ، أي : ووَضَعَ فيها علاماتٍ .

قوله تعالى : { وَبِالنَّجْمِ } متعلِّق ب " يهتدون " . والعامَّةُ على فتحِ النونِ وسكونِ الجيمِ بالتوحيدِ فقيل : المرادُ به كوكبٌ بعينه كالجَدْيِ أو الثُّرَيَّا . وقيل : بل هو اسمُ جنسٍ . وقرأ ابن وثاب بضمِّهما ، والحسنُ بضمِّ النون فقط ، وعَكَسَ بعضُهم النَّقْلَ عنهما .

فأمَّا قراءةُ الضمتين ففيها تخريجان ، أظهرُهما : أنها جمعٌ صريحٌ لأنَّ فَعْلاً يُجْمع على فُعُل نحو : سَقْف وسُقُف ، ورَهْن ورُهُن . / والثاني : أنَّ أصلَه النجومُ ، وفَعْل يُجمع على فُعُول نحو : فَلْس وفُلُوس ، ثم خُفِّف بحَذْفِ الواوِ كما قالوا : أَسَد وأُسُود وأُسُد . قال أبو البقاء : " وقالوا في خِيام : خِيَم ، يعني أنه نظيرُه ، من حيث حَذَفوا منه حرفَ المدِّ . وقال ابنُ عصفور : إن قولهم " النُّجُم مِنْ ضرورة الشعر " وأنشد :

إنَّ الي قَضَى بذا قاضٍ حَكَمْ *** أن تَرِدَ الماءَ إذا غابَ النُّجُمْ

يريد : النحوم ، كقوله :

حتى إذا ابْتَلَّتْ حَلاقِيْمُ الحُلُقْ ***

يريد الحُلُوق .

وأمَّا قراءةُ الضمِّ والسكونِ ففيها وجهان ، أحدهما : أنها تخفيفٌ من الضم . والثاني : أنها لغةٌ مستقلة .

وتقديمُ كلٍّ من الجار والمبتدأ يفيد الاختصاصَ . قال الزمشخري : " فإن قلت : قوله : { وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } مُخْرَجٌ عن سَنَنِ الخِطاب ، مقدَّم فيه النجم ، مُقْحَمٌ فيه [ هم ] ، كأنه قيل : وبالنجمِ خصوصاً هؤلاء خصوصاً يهتدونَ ، فَمَنْ المرادُ بهم ؟ قلت : كأنَّه أراد قريشاً ، كان لهم اهتداءٌ بالنجوم في مسائرِهم ، وكان لهم به عِلْمٌ لم يكنْ لغيرِهم فكان الشكرُ عليهم أوجبَ ولهم أَلْزَمَ " .